设为首页收藏本站

真境绿翠网

 找回密码
 入住申请

QQ登录

只需一步,快速开始

楼主: 大海

[经典证据] 《教法要据》圣 纪

 关闭 [复制链接]

17

主题

4

听众

73

积分

注册会员

Rank: 2Rank: 2

发表于 2010-7-4 13:42:21 |显示全部楼层
30# Guest from 222.82.129.x
这段天经是针对犹太教的人,也针对一切如同他们的人,并不是针对合格的穆斯林!
至圣说:“如果教授学问的人不是寻求真主喜悦而是为了得到今生的报酬,在后世他闻不到一点天堂的香味。所以众学者在教古兰和一切学问上拿工价的问题意见不同。最后的决定是在这个时代取工资是可以的,为的是学问不要失传,因为至圣曾经说过,那个拿工价最相宜的是真主的经典!”
至圣说:“一切行为看动机,每个人得到的是他所举意的,所以是以动机为大的,如果他举意是好的,那么他得到好的,如果举意是坏的,他得到的就是歹。所以念古兰接受的价值的问题在于双方的动机!

厉害的火狱是给哪些用他们的手来篡改天经,不服从安拉,不遵循圣道的人进的!
回复

使用道具 举报

匿名  发表于 2010-7-4 17:13:42
التأصيل الشرعي لاحتفال المولد النبوي الشريف
الأستاذ المساعد الدكتور : عبدالرحمن حمدي                                      شافي العبيدي
رئيس قسم الفقه وأصوله في كلية العلوم الإسلامية ـ الرمادي /  جامعة الأنبار  
22/1/2010م     6/صفر/1431هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمـــة لحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه وبعد : فلا شك أن أعظم حدثين في تاريخ الإسلام والمسلمين ، هو مولد رسول الله  ، وبعثته بهذا الدين العظيم ، فهما الحدثان الأبرز اللذان غيرا وجه الأرض ، وأزاحا بنورهما ظلام الجهل والجاهلية ، والشرك والعبودية لغير الله عزوجل عنها .
وإذا كان المسلمون بأمر من رب العالمين عزوجل يحتفلون بمبعثه  ، فيعظمون ليلة نزول القرآن الكريم عليه فيه ، بل ويصومون ذلك الشهر الكريم الذي أنزل فيه القرآن الكريم (( شهر رمضان)) . فما المانع من احتفالهم بالحدث الآخر المرتبط بذلك النزول ؟ ألا وهو حدث المولد الشريف ، فإنه في الحقيقة مولد الإسلام والإيمان ، ولولا المولد لما حصل الحدث الثاني ، فكلاهما مرتبط ببعضه ، وإلى ذلك أشار الحبيب المصطفى  بقوله عن يوم الإثنين: ( ذاك يوم ولدت فيه ، ويوم بعثت أو أنزل علي فيه )  ، فكلاهما في يوم واحد ، هو يوم الإثنين ، ليكون يوما لهذين الإثنين ، أقصد هذين الحدثين (الولادة والمبعث ) فهو اسم على مسمى ، ولكل شيء نصيب من اسمه .
قال صاحب سمط النجوم العوالي : ليلة مولده عليه الصلاة و السلام افضل من ليلة القدر من وجوه ثلاثة :
أحدها : إن ليلة المولد ، ليلة ظهوره ، وليلة القدر معطاة له ، وما شرف بظهور ذات المشرف من أجله ، أفضل مما شرف بسبب ما أعطيه ، ولا نزاع في ذلك فكانت ليلة المولد بهذا الإعتبار أفضل .
الثاني : أن ليلة القدر شرفت بنزول الملائكة فيها ، وليلة المولد شرفت بظهوره فيها ، ومن شرفت به ليلة المولد ، أفضل ممن شرفت به ليلة القدر على الأصح المرتضى فتكون ليلة المولد أفضل .
الثالث : أن ليلة القدر وقع التفضيل فيها على أمة محمد ،  وليلة المولد الشريف وقع التفضيل فيها على سائر الموجودات ، فهو الذي بعثه الله رحمة للعالمين ، فعمت به النعمة على جميع الخلائق ، فكانت ليلة المولد أعم نفعا ، فكانت أفضل    .
وعلى الرغم من تبوء هذه الحادثة المكانة الكبيرة في قلب كل مؤمن ، إلا أن هناك من يحاول رفض هذا الإعتقاد ، ويرمي فاعليه بالبدعة والضلالة ، وعدم إصابة طريق الهدى الذي اختطه السلف الصالح من هذه الأمة .
فوجدت لزاما علي أن أوضح الحق في هذه المسألة ، على الرغم من أن الحق واضح فيها ، لكن أردت تثبيته بالدليل ، والأصول الصحيحة ، التي ترفع كل شبهة ، أو وسواس يخطر للنفس في هذا الجانب .
والله تعالى أسأل أن يلهمني الرشاد والصواب ، وأن يعينني على إيصاله للقاريء ، وأن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه الكريم ، وفي سبيل الذود والدفاع عن رسوله العظيم . والله الموفق .        


                                                               الباحث
                                                22/كانون الثاني/2010م
                                                 6/صفـر/1431هـ  

























المبحث الأول : مبدأ ظهور الإحتفالات بالمولد
قبل أن نشرع في ذكر الأصول التي اعتمدها من أجاز الإحتفال بالمولد النبوي ، على الرغم من اشتمالها على مايدل ، على أن نوعا من هذه الإحتفالات ، كانت موجودة في القرن الأول ، بل في حياة النبي ، ومن فعله هو  ، بصيام اليوم الذي ولد فيه . فقد اشتهر القول لدى المنكرين ، بأن هذه الإحتفالات على الوجه المعروف لدينا اليوم( باجتماع الناس ، وقراءة ماتيسر من القرآن الكريم ، ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي ، وما وقع في مولده من الآيات ، ثم يمد لهم سماط يأكلونه وينصرفون ، وقد يشتمل على إنشاد بعض الأشعار والمدائح التي قيلت في حقه  ) ، لم تحصل في القرون الأولى من تاريخ الإسلام
قال ابن تيمية أصل عمل المولد ، لم ينقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة )  .
وقال صاحب تفسير أضواء البيان أما مايفعله بعض الناس من احتفالات ، ومظاهر ، فقد حدث ذلك بعد أن لم يكن لافي القرن الأول ، ولاالثاني ، ولاالثالث، وهي القرون المشهود لها بالخير ، وأول إحداثه في القرن الرابع)   .
وقال ابن الجوزي وأول من أحدثه من الملوك ، الملك المظفر أبو سعيد صاحب أربل )  .
وقال السيوطي وأول من أحدث فعل ذلك صاحب أربل ، الملك المظفر أبو سعيد كوكبري بن زين الدين علي بن بكتكين ، أحد الملوك الأمجاد ، والكبراء الأجواد ، وكان له آثار حسنة ، وهو الذي عمّر الجامع المظفري بسفح قاسيون . قال ابن كثير : كان يعمل المولد الشريف بربيع الأول ، ويحتفل به احتفالا هائلا ، وكان شهما شجاعا بطلا عاقلا عالما عادلا ، رحمه الله ، وأكرم مثواه   .
وقد طالت مدة هذا الملك في الحكم إلى أن مات وهو محاصر للفرنج بمدينة عكا  سنة 630هـ محمود السيرة والسريرة كما قال السيوطي    .
ويبدو أن الملك المظفر ، قد اقتدى في فعله هذا ، بالشيخ معين الدين عمر بن محمد الملاء ، من أهل الموصل ، أحد الصالحين المشهورين ، كما يقول أبو شامة( شيخ النووي) ، وغيره   .
وقال صاحب شذرات الذهب : عمر الملاء ، كان من الأخيار ، وإنما قيل : (الملاء) لأنه كان يملأ أتون الآجر ، ويتقوت بالأجرة ، وليس عليه غير قميص وعمامة ، ولايملك شيئا ، وكل إليه الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي بن أق سنقر ، ملك حلب ودمشق ، بناء جامعه بالموصل ، وفوض أمره إليه ، توفي في رجب أو شعبان بالموصل سنة 571هـ   .
وقال صاحب الروضتين : وكان بالموصل شيخ صالح يعرف بعمر الملاء ، سمي بذلك لأنه كان يملأ تنانير الجص بأجرة يتقوت بها ، وكل ما عليه من قميص ورداء وكسوة وكساء ، قد ملكه سواه ، واستعاره ، فلا يملك ثوبه ولا إزاره ، وكان له شيء فوهبه لأحد مريديه ، وهو يتجر لنفسه فيه ، فإذا جاءه ضيف قراه ذلك المريد . وكان ذا معرفة بأحكام القرآن ، والأحاديث النبوية ، وكان العلماء والفقهاء والملوك والأمراء ، يزورونه في زاويته ، ويتبركون بهمته ، ويتيمنون ببركته ، وله كل سنة دعوة يحتفل بها في أيام مولد رسول الله ، يحضره فيها صاحب الموصل ، ويحضر الشعراء وينشدون مدح رسول الله ، في ذلك المحفل ، وكان نور الدين من أخص محبيه ، يستشيره في حضوره ، ويكاتبه في مصالح أموره ، وكانت بالموصل خربة واسعة في وسط البلد ، أشيع عنها أنه ما شرع في عمارتها إلا من ذهب عمره ، ولم يتم على مراده أمره ، فأشار الشيخ عمر على نور الدين بابتياعها ، ورفع بنائها ، جامعا تقام فيه الجمع والجماعات ، ففعل ووقف فيه أموالا كثيرة ، ووقف عليه ضيعة من ضياع الموصل ورتب فيه خطيبا ومدرسا   .
ومن المحتفلين بالمولد أيضا : أبو بكر بن أيبك الحسامي ، كان مسؤول الأوقاف بدمشق ، وأمير عشيرة بدمشق ، كان يعمل المولد فيبالغ في الاحتفال فيه ، مات سنة 756هـ   .
صور من تلك الإحتفالات
ذكر العلماء بعض أخبار تلك الإحتفالات ، وما كان يصنع فيها ،وإليك بعض تلك الأخبار :
قال السيوطي : قال سبط ابن الجوزي في مرآة الزمان : حكى بعض من حضر سماط المظفر في بعض الموالد ، أنه عدّ في ذلك السماط خمسة آلاف رأس غنم مشوي ، وعشرة آلاف دجاجة ، ومائة فرس ، ومائة ألف زبدية ، وثلاثين ألف صحن حلوى ، قال : وكان يحضر عنده في المولد أعيان العلماء والصوفية ، ... وكان يصرف على المولد ، في كل سنة ثلثمائة ألف دينار ، وكانت له دار ضيافة للوافدين ، من أي جهة ، على أي صفة ، فكان يصرف على هذه الدار ، في كل سنة مائة ألف دينار ، وكان يستفك من الفرنج في كل سنة أسارى ، بمائتي ألف دينار ، وكان يصرف على الحرمين ، والمياه بدرب الحجاز ، في كل سنة ، ثلاثين ألف دينار، هذا كله سوى صدقات السر ، وحكت زوجته ربيعة خاتون ، بنت أيوب ، أخت الملك الناصر صلاح الدين ، أن قميصه كان من كرباس  غليظ لايساوي خمسة دراهم ، قالت : فعاتبته في ذلك ، فقال : لبسي ثوبا بخمسة ، وأتصدق بالباقي ، خير من أن ألبس ثوبا مثمنا ، وأدع الفقير والمسكين . قال السيوطي : وقد صنف له الشيخ أبو الخطاب بن دحية ، مجلدا في المولد النبوي سماه (التنوير في مولد البشير النذير) فأجازه على ذلك بألف دينار   .
قال ابن خلكان : كان أبو الخطاب المذكور، من أعيان العلماء ، ومشاهير الفضلاء ، متقنا لعلم الحديث النبوي وما يتعلق به ، عارفا بالنحو واللغة ، وأيام العرب وأشعارها ... قدم مدينة أربل في سنة أربع وستمائة ، وهو متوجه إلى خراسان فرأى صاحبها ، الملك المعظم ، مظفر الدين بن زين الدين ، مولعا بعمل المولد ، عظيم الإحتفال به ، فعمل له كتابا سماه ( التنوير في مولد السراج المنير) وقرأه عليه بنفسه ، وسمعناه على الملك المعظم في ست مجالس ، في جمادى الآخرة ، سنة خمس وعشرين وستمائة ... توفي سنة ثلاث وثلاثين وستمائة بالقاهرة   .
ومن صور الإحتفال بالمولد في تلك الأزمان : ما ذكره صاحب إعانة الطالبين ، عن أحد شيوخ بلد الله الحرام ، الشيخ أحمد بن زيني دحلان ، أنه قال : جرت العادة ، أن الناس إذا سمعوا ذكر وضعه  ، يقومون تعظيما له  ، وهذا القيام مستحسن ، لما فيه من تعظيم النبي  ، وقد فعل ذلك كثير من علماء الأمة الذين يقتدى بهم ، قال الحلبي في السيرة : فقد حكى بعضهم أن الإمام السبكي اجتمع عنده كثير من علماء عصره ، فأنشد منشد قول الصرصري :
قليل لمدح المصطفى الخط بالذهب *****  على ورق من خط أحسن من كتب
وأن تنهض الأشراف عند سماعه  *****   قياما صفوفا أو جثيا على الركب
فعند ذلك قام الإمام السبكي ، وجميع من بالمجلس ، فحصل أنس كبير في ذلك المجلس   .
وقال صاحب نفح الطيب : وكان السلطان أبو حمو ، يحتفل لليلة مولد رسول اللهغاية الإحتفال ، كما كان ملوك المغرب والأندلس في ذلك العصر وما قبله ، ومن احتفاله له : أنه كان يقيم ليلة الميلاد النبوى ، على صاحبه الصلاة والسلام ، بمشورة من تلمسان المحروسة مدعاة حفيلة ، يحشر فيها الناس خاصة وعامة ، فما شئت من نمارق مصفوفة ، وزرابى مبثوثة وبسط موشاة،  ووسائد بالذهب مغشاة،  وشمع كالإسطوانات،  وموائد كالهالات ومباخر منصوبة كالقباب ،  يخالها المبصر تبرا مذاب ، ويفاض على الجميع أنواع الأطعمة ، كأنها أزهار الربيع المنمنمة، تشتهيها الأنفس ، وتستلذها النواظر، ويخالط حسن رياها الأرواح ، ويخامر رتب الناس فيها على مراتبهم ترتيب احتفال ، وقد علت الجميع أبهة الوقار والإجلال ، وبعقب ذلك يحتفل المسمعون بأمداح المصطفى عليه الصلاة والسلام ، ومكفرات ترغب فى الإقلاع عن الآثام ، يخرجون فيها من فن إلى فن ، ومن أسلوب إلى أسلوب ، ويأتون من ذلك بما تطرب له النفوس ، وترتاح إلى سماعه القلوب ، وبالقرب من السلطان خزانة المنجانة ، قد زخرفت كأنها حلة يمانية ، لها أبواب موجفة على عدد ساعات الليل الزمانية ... وكل ذلك ، والسلطان لم يفارق مجلسه الذى ابتدأ جلوسه فيه ، وكل ذلك بمرأى منه ومسمع ، حتى يصلى هنالك صلاة الصبح .
على هذا الأسلوب تمضى ليلة المصطفى  ، فى جميع أيام دولته ، وما من ليلة مولد مرت فى أيامه ، إلا ونظم فيها قصيدا فى مديح مولد المصطفى  .
وذكر ابن بطوطة عن قاضي مكة العالم الصالح العابد : نجم الدين محمد بن الإمام العالم محيي الدين الطبري ، أنه : فاضل ، كثير الصدقات والمواساة للمجاورين ، حسن الأخلاق ، كثير الطواف والمشاهدة للكعبة الشريفة ، يطعم الطعام الكثير في المواسم المعظمة ، وخصوصا في مولد رسول الله  ، فإنه يطعم فيه شرفاء مكة ، وكبراءها ، وفقراءها ، وخدام الحرم الشريف ، وجميع المجاورين  .
كما ذكر ابن بطوطة أن من المراسيم المتعارف عليها ، فتح باب الكعبة الشريفة ، في يوم مولده  ، ورسمهم في فتحه ، أن يضعوا كرسيا شبه المنبر ، له درج وقوائم خشب ، لها أربع بكرات ، يجري الكرسي عليها ويلصقونه إلى جدار الكعبة الشريفة ، فيكون درجه الأعلى متصلا بالعتبة الكريمة ، ثم يصعد كبير الشيبيين وبيده المفتاح الكريم ، ومعه السدنة ، فيمسكون الستر المسبل على باب الكعبة ، المسمى بالبرقع ، خلال ما يفتح رئيسهم الباب ، فإذا فتحه قبل العتبة الشريفة ،ودخل البيت وحده ،وسد الباب وأقام قدر ما يركع ركعتين ، ثم يدخل سائر الشيبيين ، ويسدون الباب أيضا ويركعون ، ثم يفتح الباب ، ويبادر الناس بالدخول ، وفي أثناء ذلك يقفون مستقبلين الباب الكريم ، بأبصار خاشعة ، وقلوب ضارعة ، وأيد مبسوطة إلى الله ، فإذا فتح كبروا   .
وقال الإمام أبو شامة : ومن أحسن ماابتدع في زماننا ، ما يفعل كل عام ، في اليوم الموافق ليوم مولده   ، من الصدقات والمعروف وإظهار الزينة والسرور ...
وقال السخاوي : لازال أهل الإسلام من سائر الأقطار ، والمدن الكبار ، يعملون المولد ، ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات ، ويعتنون بقراءة مولده الكريم...  .
وقد يقال : إنك لم تذكر كل ما يجري من أفعال الناس في هذه المناسبات ، ومن أفعالهم ، مالايقبله الشرع الحنيف ، كالإختلاط بين الرجال والنساء وماشابه .
والجواب : أن مثل هذه الأمور قد تحصل في بعض البلدان دون سائرها ، فليس كل تلك الإحتفالات تشتمل على ذلك .
وعلى كل حال : فالضابط في هذا الموضوع ، لما يشرع فعله وما لايشرع في هذه المناسبة ، ماذكره ابن حجر العسقلاني قائلا : إن احتفالات المولد اشتملت على محاسن وضدها، فمن تحرى في عملها المحاسن ، وتجنب ضدها، كان بدعة حسنة ، ومن لا ، فلا، قال : وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت ، وهو ما ثبت في الصحيحين ، من أن النبي  ، قدم المدينة ، فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء  فسألهم ، فقالوا : هذا يوم أغرق الله فيه فرعون ونجى موسى ، فنحن نصومه شكرا لله تعالى . فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما من به في يوم معين ، من إسداء نعمة ، أو دفع نقمة ، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة ، والشكر لله يحصل بأنواع العبادة ، كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة ، وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي ، نبي الرحمة ، في ذلك اليوم ، وعلى هذا ، فينبغي أن يتحرى اليوم بعينه ، حتى يطابق قصة موسى في يوم عاشوراء ، ومن لم يلاحظ ذلك ، لا يبالي بعمل المولد في أي يوم من الشهر ، بل توسع قوم ، فنقلوه إلى يوم من السنة،  وفيه ما فيه . هذا ما يتعلق بأصل عمله ، وأما ما يعمل فيه ، فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى ، من نحو ما تقدم ذكره ، من التلاوة والإطعام والصدقة ، وإنشاد شيء من المدائح النبوية ، والزهدية المحركة للقلوب إلى فعل الخير ، والعمل للآخرة ، وأما ما يتبع ذلك من السماع واللهو ، وغير ذلك فينبغي أن يقال : ما كان من ذلك مباحا ، بحيث يتعين للسرور بذلك اليوم ، لا بأس بإلحاقه به ، ومهما كان حراما أو مكروها ، فيمنع ، وكذا ما كان خلاف الأولى   .
أقول : وفي هذا المعنى ، قول الإمام أحمد بن حنبل عن الصوفية : لاأعلم أقواما أفضل منهم . قيل : إنهم يستمعون ، ويتواجدون . قال : دعوهم يفرحون مع الله ساعة . قيل فمنهم من يموت ، ومنهم من يغشى عليه . فقال :  ( وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ)   .
فجوّز منهم ماكان دافعه السرور بالله عزوجل ، وما زاد فالله يتولى المؤاخذة عليه .
回复

使用道具

匿名  发表于 2010-7-4 17:16:49
المبحث الثاني : التأصيل الشرعي لإحتفال المولد النبوي
المطلب الأول : أدلة المنكرين لمشروعية الإحتفال

يكاد المتتبع لآراء العلماء المتقدمين والمتأخرين ، أن يجزم بأن أول من ثبت عنه الإنكار ، أو الإعتراض على عمل الإحتفال بالمولد النبوي ، هو واحد من اثنين من الأئمة ، أحدهما : الإمام تاج الدين عمر بن علي اللخمي السكندري المشهور بالفاكهاني ، من متأخري المالكية ، وألف في ذلك كتابا سماه ( المورد في الكلام على  عمل المولد) .
وثانيهما : الإمام ابن تيمية الحراني ، شيخ الإسلام .
أما من كان قبلهما ، فلم أجد رواية عن أحد من العلماء تدل على استنكاره ، أو اعتراضه على ذلك .
وقد سبق أن أوردت قول السيوطي وغيره : أن الملك المظفر حين كان يعمل الإحتفال بالمولد ، كان يحضر عنده أعيان العلماء والصوفية ، دون نكير من أحدهم ، أو غيرهم في زمانهم ، على مايفعله ذلك الملك ، أومن سبقه من أهل العلم ، أو من جاء بعده من الولاة والأمراء . وتقدم أن الملك المظفر توفي سنة 630هـ .
لكن أول إشارات الاعتراض صدرت عن هذين الإمامين ، وكلاهما سابق لصاحبه في الزمن . فالفاكهاني ولد سنة 654هـ وقيل سنة 656 هـ ، وتوفي سنة 734هـ    .
وأما ابن تيمية فمولده كان سنة 661هـ ، ووفاته سنة 728هـ    .
فإذا نظرنا الى سنة الولادة ، فالفاكهاني هو أقدم من اعترض ، وإذا نظرنا إلى سنة الوفاة ، يكون ابن تيمية هو أقدم المنكرين .
وسواء أكان المتقدم هذا أو ذاك ، فالفارق بينه وبين الملك المظفر لايقل عن قرن من الزمان ، هذا إذا اعتبرنا أن الملك المظفر هو أول من فعل ذلك ، على الرغم من أن بعض الروايات التي أوردتها تفيد بوجود علماء أفاضل سبقوا الملك المظفر بزمن ، بل ذكر صاحب تفسير أضواء البيان أن هذه الإحتفالات بدأت منذ القرن الرابع الهجري كما تقدم  .
وهذا يعني أن الإجماع انعقد على مشروعية هذه الإحتفالات قبل الفاكهاني وابن تيمية بما لايقل عن ثلاثة قرون أو أكثر من الزمان .
وقد ذكرت هذا الأمر لأن له علاقة بما سأورده من أدلة تؤصل لمشروعية هذا الإحتفال فيما بعد .
وعلى كل حال ، فإن المنكرين لهذه الإحتفالات ، استدلوا على ماذهبوا إليه، بجملة أدلة ، أوردها ، ثم أتبعها بما يسر الله تعالى به من ردود عليها ، قبل أن أسرد الأدلة المؤيدة إن شاء الله تعالى . ومن تلك الأدلة مايأتي :
الدليل الأول : أن اتخاذ موسم غيرالمواسم الشرعية المعروفة ، كالعيدين، وأيام التشريق ، أمر لم يفعله السلف الصالح من هذه الأمة ، في القرون الثلاثة الأولى ، المشهود لها بالخيرية ، وما لم يفعله السلف ، لايجوز فعله . قال ابن تيمية : ( إذ الأعياد شريعة من الشرائع ، فيجب فيها الإتباع لاالإبتداع ، وللنبي خطب وعهود ، ووقائع في أيام متعددة ، مثل يوم بدر، وحنين ، والخندق ،وفتح مكة ، ووقت هجرته ، ودخوله المدينة ، وخطب له متعددة ، يذكر فيها قواعد الدين ، ثم لم يوجب ذلك أن يتخذ مثال تلك الأيام أعيادا ، وإنما يفعل مثل هذا النصارى ، الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى عليه السلام أعيادا ، أو اليهود ، وإنما العيد شريعة ، فما شرعه الله اتبع ، وإلا لم يحدث في الدين ما ليس منه   .
ولأن رسول الله  لم يفعله ، ولاخلفاؤه الراشدون ، ولاغيرهم من الصحابة ، ولاالتابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة ، وهم أعلم الناس بالسنة ، وأكمل حبا لرسول الله  ، ومتابعة لشرعه ممن بعدهم ، ففعله من البدع المحدثة في الدين ، وقد ثبت عن النبي  أنه قال : (من أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هذا ما ليس منه فَهُوَ رَدٌّ)   أي مردود عليه ، وقال في حديث آخر : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الإمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة )  .
ففي هذين الحديثين تحذير شديد من إحداث البدع ، والعمل بها ، وقد قال الله سبحانه : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) . وقال عزوجل:
( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)  .وقال سبحانه : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً)   و   .

والجواب على ذلك : أن هذا الدليل قائم على أساس أن البدعة ، التي تفضي إلى الضلالة والنار ، هي كل ما لم يفعله رسول الله  ، أو سلفنا الصالح في القرون الثلاثة الأولى ، لأن ذلك زيادة في دين الله ، ليست منه ، وما ليس من دين الله ، فهو مردود على صاحبه .
والحقيقة أن مثل هذا التعريف للبدعة أمر فيه مغالاة ، ومجانبة للصواب من عدة جوانب منها :
أ.  أن السلف الصالح ، ولاسيما الصحابة الكرام ، قد فعلوا أو قالوا أمورا ، لم يكن رسول الله قد فعلها أو قالها، ولم يستأذنوه أولا في فعلها أو الإتيان بها ، وإنما بادروا إلى فعلها ، ثم بعد ذلك علم هو بها ، أو فعلوها بعد وفاته  ، دون علمه بها .والأمثلة على ذلك كثيرة منها :
1 . سنة الوضوء التي أحدثها الصحابي الجليل بلال  ، ولم يكن قد أخبر بها رسول الله  ، ولااستأذنه فيها ، إلى أن قال له يابلال ، حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام ، فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة ، قال : ما عملت عملا أرجى عندي ، أني لم أتطهر طهورا في ساعة ليل أو نهار ، إلا صليت بذلك الطهور ، ما كتب لي أن أصلي)  .
     نعم ، قد تم الإقرار لهذه السنة ، لكن بعد أن أحدثها بلال من                    نفسه أولا . فهل يعد بلال مبتدعا ضالا ؟ حاشا لله .
2 . أخرج عبد الرزاق عن ابن المسيب ، أن رسول الله   قال : ( إن بلالا        يؤذن بليل ... فلما كان ذات ليلة ، أذن بلال ، ثم جاء يؤذن النبي  ، فقيل له : إنه نائم ، فنادى بلال :الصلاة خير من النوم . فأقرت في الصبح )   .
    وفي بعض الروايات قال الزُّهْرِيُّ : وزاد بِلَالٌ في نِدَاءِ صَلَاةِ الْغَدَاةِ الصَّلَاة
    خَيْرٌ من النَّوْمِ فَأَقَرَّهَا رسول اللَّهِ   )  .
    وفي روايةقال سعيد : فأدخلت هذه الكلمة في التأذين في صلاة الفجر  
    وفي رواية: فقال له النبي  : ما هذا الذي زدت في أذانك قال رأيت منك ثقلةفأحببت أن تنشط فقال اذهب فزده في أذانك
    وفي رواية :  ما أَحْسَنَ هذا يا بِلالُ اجْعَلْهُ في أَذَانِكَ  
    وفي رواية : فلم يكره رسول الله  وأدخله في الأذان .
    وواضح من مجموع هذه الروايات أن بلالا ابتدع وأحدث هذه العبارة ، ومع
    ذلك لم يعنفه رسول الله  ، ولم يبدعه ، ولم ينكر عليه ، ولم يمنع بلالا
     من قولها ، أن رسول الله   لم يكن قد شرعها قبل ذلك . فأين البدعة بالمعنى الذي ذكروه من هذا ؟  ومعلوم أن بلالا ليس من الخلفاء الراشدين حتى يقال : إن ذلك سنتهم التي أمرنا باتباعها .
3.  إقراره  الصحابي على ملازمة قراءة سورة الإخلاص في الصلاة دون غيرها من السور  .
      أخرج البخاري عن أَنَسِ رضي الله عنه :  كان رَجُلٌ من الْأَنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ في مَسْجِدِ قُبَاءٍ وكان كُلَّمَا افْتَتَحَ سُورَةً يَقْرَأُ بها لهم في الصَّلَاةِ مِمَّا يَقْرَأُ بِهِ افْتَتَحَ قُلْ هو الله أَحَدٌ حتى يَفْرُغَ منها ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً أُخْرَى مَعَهَا وكان يَصْنَعُ ذلك في كل رَكْعَةٍ فَكَلَّمَهُ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا إِنَّكَ تَفْتَتِحُ بِهَذِهِ السُّورَةِ ثُمَّ لَا تَرَى أنها تُجْزِئُكَ حتى تَقْرَأَ بِأُخْرَى فَإِمَّا تَقْرَأُ بها وَإِمَّا أَنْ تَدَعَهَا وَتَقْرَأَ بِأُخْرَى فقال ما أنا بِتَارِكِهَا إن أَحْبَبْتُمْ أَنْ أَؤُمَّكُمْ بِذَلِكَ فَعَلْتُ وَإِنْ كَرِهْتُمْ تَرَكْتُكُمْ وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ من أَفْضَلِهِمْ وَكَرِهُوا أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ فلما أَتَاهُمْ النبي  أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ فقال يا فُلَانُ ما يَمْنَعُكَ أَنْ تَفْعَلَ ما يَأْمُرُكَ بِهِ أَصْحَابُكَ وما يَحْمِلُكَ على لُزُومِ هذه السُّورَةِ في كل رَكْعَةٍ فقال إني أُحِبُّهَا فقال حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ  
     وعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا سمع رَجُلًا يَقْرَأُ قُلْ هو الله أَحَدٌ يُرَدِّدُهَا فلما أَصْبَحَ جاء إلى رسول اللَّهِ  فذكر ذلك له وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا فقال رسول اللَّهِ  وَالَّذِي نَفْسِي بيده إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ .وفي رواية :  أَنَّ رَجُلًا قام في زَمَنِ النبي  يَقْرَأُ من السَّحَرِ قُلْ هو الله أَحَدٌ لَا يَزِيدُ عليها فلما أَصْبَحْنَا أتى رجل النبي    نَحْوَهُ  
      وعن عَائِشَةَ أَنَّ النبي  بَعَثَ رَجُلًا على سَرِيَّةٍ وكان يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ في صلاته فَيَخْتِمُ بـ (قل هو الله أَحَدٌ ) فلما رَجَعُوا ذَكَرُوا ذلك لِلنَّبِيِّ    فقال سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذلك فَسَأَلُوهُ فقال لِأَنَّهَا صِفَةُ الرحمن وأنا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بها فقال النبي : أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ   .
     وظاهر هذه الروايات أنها في مواقف متغايرة ،لأشخاص مختلفين .
4. عن انس بن مالك قال : قال رسول الله  : يقدم عليكم غدا أقوام ، هم أرق قلوبا للإسلام منكم . قال :فقدم الأشعريون ، فيهم أبو موسى الأشعري ، فلما دنوا من المدينة ، جعلوا يرتجزون يقولون :
غدا نلقى الأحبة  **********   محمدا وحزبه
     فلما أن قدموا ، تصافحوا ، فكانوا هم أول من أحدث المصافحة . وفي رواية أخرى عن أَنَسٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  قال أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ وَهُمْ أَرَقُّ قُلُوباً مِنْكُمْ وَهُمْ أَوَّلُ من جاء بِالْمُصَافَحَةِ . ففعلوها قبل أن تشرع لهم ولم يمنعهم من فعلها أن يقال لهم : أنكم مبتدعة .
5.  عن رِفَاعَةَ بن رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ قال كنا يَوْمًا نُصَلِّي وَرَاءَ النبي    فلما رَفَعَ رَأْسَهُ من الرَّكْعَةِ قال سمع الله لِمَنْ حَمِدَهُ قال رَجُلٌ وَرَاءَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فيه فلما انْصَرَفَ قال من الْمُتَكَلِّمُ قال أنا قال رأيت بِضْعَةً وَثَلَاثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ   . وهذا دليل آخر عن الصحابة الكرام أنهم كانوا يبادرون إلى الخير دون انتظار الإذن بذلك ، ولو كانت مبادرتهم ممنوعة لبينها لهم رسول الله   ولامتنعوا من ذلك خوف البدعة المزعومة .
6.   قال البخاري : ( ويذكر أن عمرو بن العاص أجنب في ليلة باردة ، فتيمم وتلا (( وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً))   ، فذكر للنبي ، فلم يعنف    . فهذا الصحابي بادر (ابتدع ) إلى التيمم بدل الغسل من الجنابة بسبب البرد في الحضر ولم يكن مسافرا ، فعل ذلك دون أن يرجع أولا إلى النبي  . فهل يسمى ضالا ؟ حاشا لله ، بل لم يعنفه ، لاعلى فعله ذلك ، ولا على كونه ابتدعه من نفسه، دون أن يوجد فيه نص مسبق.
   
وهناك أمور أخرى فعلها الصحابة بعد وفاة رسول الله  ، لم يفعلها هو في حياته ، ولم يمنعهم من فعلها أنه لم يفعلها ، ومن ذلك :
1.        قول عمر رضي الله عنه في قيام شهر رمضان : نعم البدعة هذه . حين جمع الناس في صلاةالتراويح على قاريء واحد   .
2.        جمع المصحف زمن أبي بكر الصديق  ، فقد روى البخاري عن زيد بن ثابت أنه قال : أرسل إلي أبوبكر فقال :إن عمر أتاني فقال :  إِنَّ الْقَتْلَ قد اسْتَحَرَّ يوم الْيَمَامَةِ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ بِالْمَوَاطِنِ ، فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ من الْقُرْآنِ ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ ، قلت لِعُمَرَ: كَيْفَ تَفْعَلُ شيئا لم يَفْعَلْهُ رسول اللَّهِ  ؟  قال عُمَرُ: هذا والله خَيْرٌ ، فلم يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي حتى شَرَحَ الله صَدْرِي لِذَلِكَ ، وَرَأَيْتُ في ذلك الذي رَأَى عُمَرُ.....  فَتَتَبَّعْ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ..... قلت: كَيْفَ تَفْعَلُونَ شيئا لم يَفْعَلْهُ رسول اللَّهِ ؟ قال : هو والله خَيْرٌ ، فلم يَزَلْ أبو بَكْرٍ يُرَاجِعُنِي حتى شَرَحَ الله صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ له صَدْرَ أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما، فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ من الْعُسُبِ وَاللِّخَافِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ ... .
فانظر إلى قول أبي بكر لعمر ، وقول زيد بن ثابت لأبي بكر ( كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله ) ؟ بمعنى أنهم فعلوا أمورا لم يكن لها وجود قبل زمنهما . فهل هم مبتدعون أصحاب ضلالة؟
3.        قتال مانعي الزكاة ، فعله أبو بكر الصديق ، وليس عندنا خبر واحد يدل على أن رسول الله قاتلهم ، أو قتلهم ،  وربما كان هذا هو السبب في عدم موافقة عمر رضي الله عنه أول الأمر على قتالهم ، قال ابن تيمية : فلما توفي رسول الله   ، ارتدت العرب ، قال بعضهم : نصلي ولا نزكي ، وقال بعضهم : نزكي ولا نصلي، فأتيته ـ يقصد عمر رضي الله عنه أتى أبا بكر  ـ  لا آلوه نصحا ، فقلت : يا خليفة رسول الله ، تألف الناس وارفق بهم، فقال لي: أجبار في الجاهلية وخوار في الإسلام ... .
4.        روى ابن أبي شيبة طائفة من الروايات ، تحت عنوان ( الأوائل ) ذكر فيها أول من أحدث بعض الأفعال والسنن في الإسلام ، أذكر منها :
•        عن مجاهد قال : أول من جهر ، أو أول من أعلن التسليم في الصلاة ، عمر بن الخطاب .
•        عن ابن المسيب قال : أول من أحدث الأذان في العيدين معاوية . وعن أبي قلابة قال : أول من أحدث الأذان في العيدين ابن الزبير . ولعل هذا الإختلاف في الروايات من اختلاف المكان لكن في زمن واحد .
•        عن أبي أمامة : أول من صلى الضحى ذو الزوائد .
•        عن الحكم قال : أول من جعل للفرس سهمين ، عمر بن الخطاب ، أشار به عليه رجل من تميم .
•        عن الزهري في اليمين مع الشاهد : بدعة ، وأول من قضى بها معاوية .
•        قيل للزهري : من أول من ورث العرب من الموالي ؟ قال : عمر بن الخطاب .
•        عن الشعبي ، قال : لم يقطع النبي  ، ولاأبو بكر ، ولاعمر ، ولاعلي ، وأول من أقطع القطائع : عثمان ، وبيعت الأرضون في إمارة عثمان .
•        عن طاووس : أول من جلس على المنبر في الجمعة معاوية .
•        عن الشعبي : أول من جعل العشور عمر بن الخطاب .
•        قيل للحسن البصري : من أول من أعتق أمهات الأولاد ؟ قال : عمر .
•        عن النخعي : أول من فرض العطاء ، عمر بن الخطاب ، وفرض فيه الدية كاملة . ورواه عنه مصعب بن سعد أيضا .
•        عن الزهري : أول من قطع الرجل أبو بكر .
•        أول من حصّب المسجد عمر ( أي فرش أرضه بالحصباء ) .
•        عن محرز بن صالح : أن عليا أول من فرق ين الشهود   .  
وهنا قد يعترض على هذا : بأن جمع القرآن الكريم ، وحرب المرتدين ، وما شابه ، هما من سنة الخلفاء الراشدين ، وقد ورد النص بوجوب اتباع سنة الخلفاء الراشدين  .
والجواب :أن هناك روايات عن غير الراشدين أوردناها .
أما الروايات عن الراشدين فتوجيهها: أن السنة هي الطريقة في معناها العام، والمعنى واضح فيما لو اتفق الراشدون  على رأي واحد ، فإننا مأمورون باتباع سنتهم ، لكن كيف يكون العمل بحديث ( عليكم بسنتي ، وسنة الخلفاء المهديين الراشدين)  فيما لو اختلفت آراء الخلفاء الأربعة ؟
ولاأظن عاقلا يقول : بوجوب اتباعهم مع تناقضهم في الرأي ، لأننا سنجمع بين المتناقضات ، وهذا لايمكن ، فلا يبقى إلا أن يؤول الحديث المذكور ، على وجوب اتباع المنهج ، والطريقة العامة التي كان عليها الخلفاء الراشدون في الإستنباط ، وليس مجرد اتباع رأي خاص بواحد منهم ، في واقعة معينة ، لأننا بذلك سنحكم بعصمتهم ، وكونهم مصدرا من مصادر التشريع ، وهذا غير صحيح لأن التشريع محصور بالله ورسوله ، اللهم إلا إذا أجمعوا فيكون إجماعهم هو المصدر التشريعي ، وليس أقوالهم المتفرقة لأنها حينئذ رأي فقيه تحتاج إلى دليل .
ولو تأملنا قول أبي بكر وعمر عن جمع القرآن الكريم : (هذا والله خير، هو والله خير) لأمكن أن نفهم ، أن المنهج الذي اختطاه للأمة في كل حادثة جديدة يراد معرفة حكمها ، أنها مشروعة ما دامت لاتصطدم بنص  يمنع من فعلها أولا، وتؤدي إلى خير ومصلحة للأمة ثانيا .
ولذلك يقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى : المحدثات من الأمور ضربان ، أحدهما ماأحدث ، مما يخالف كتابا أو سنة ، أو أثرا ، أوإجماعا ، فهذه البدعة الضلالة ، والثاني ، ماأحدث من الخير ، لاخلاف فيه لواحد من هذا ، وهذه محدثة غير مذمومة )    .
والاحتفال بالمولد ، من هذا القبيل ، فهو لايصادم كتابا ولا سنة ولاإجماعا ، وفيه من الخير ما قد عرف ، كقراءة القرآن ، والصلاة على النبي  ،  وإطعام الطعام ، وما شابه من أعمال الخير . فلا أقل أن يكون من المحدثات غير المذمومة ، ولذلك يقول ابن تيمية عنه : ( هذا لم يفعله السلف ، مع قيام المقتضي وعدم المانع )   . ومعنى عدم المانع : عدم وجود ما يمنع من فعله شرعا ، فهو ليس من باب الشر ولا يخالف كتابا ولاسنة ولاإجماعا، فكيف يكون بعد ذلك ضلالة ؟   .
ب . ولو جاز القول : بأن البدعة المحرمة، هي كل ما لم يفعله السلف ، لبطل باب المصلحة المرسلة في التشريع وأصول الفقه ، بينما
َصَحَّ أَنَّ عَلِيًّا كان يُضَمِّنُ الْقَصَّارَ وَالصَّوَّاغَ وقال لاَ يُصْلِحُ الناس إِلاَّ ذلك   وهو استدلال بالمصلحة على حكم لم يفعله من سبقه .
ولبطل أيضا العرف الصحيح والإستصحاب في التشريع ، وكل ذلك ثابت في شرع الله ، لاسبيل إلى رده ، فلا يسمى الأمر الجديد بدعة ، إلا إذا خالف ما ثبت في دين الله ، وناقض النصوص المقدسة ، من قرآن أو سنة ، وهذا عين ماقال سبحانه وتعالى وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)   . فما لم يأمرنا به ، ولم ينهنا عنه ، لايدخل ضمن الآية . وكذا قوله سبحانه فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)   . فمن فعل شيئا لم ينه عنه الشارع ، لم يدخل نطاق هذه الآية . ولذلك ابتدع المسلمون التصانيف في جميع العلوم النافعة ، الشرعية وغير الشرعية ، على اختلاف فنونها ، وافترضوا المسائل التي لم تقع ، ووضعوا الحكم الشرعي لها ، وتكلموا في تفسير القرآن الكريم بالرأي المنضبط باللغة ، وصنفوا كتب السير ، والكلام على الأسانيد والمتون ، ووضعوا علم النحو والمعاني والبيان ، والأوزان ، وباقي العلوم التي تعين على معرفة أحكام الله تعالى ، ومعاني كتابه ، وسنة رسوله  ، وكل ذلك لم يرد فيه أمر خاص بجزئياته ، ولا يلزم من فعله محذور شرعي باتفاق الجميع .
أما قوله  من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد ) ، فمعناه أن من أحدث ما ليس له أصل في ديننا فهو مردود ، لأن المراد من ( أمرنا ) هو ديننا بدليل أن هذا الحديث ورد برواية أخرى هي (من أحدث في ديننا ما ليس منه...) أورده كذلك البغوي والنووي وابن تيمية وابن رجب الحنبلي وغيرهم     . قال صاحب التقرير والتحبير : يجوز أن يكون المراد بالأمر هنا دينه وشرعه كما في الحديث الصحيح ( من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد ) بدليل ما في لفظ آخر له ( من أحدث في ديننا ما ليس فيه فهو رد)     .
وقال ابن رجب الحنبلي : والمراد بأمره ههنا دينه وشرعه ... فمن كان عمله جاريا تحت أحكام الشريعة موافقا لها فهو مقبول ومن كان خارجا عن ذلك فهو مردود   .
ولاأعتقد أن الإحتفال بالمولد المبني على محبة النبي  ، ليس له أصل في الدين ، فالمحبة له واجبة ، قال  لايؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)  وإطعام الطعام من أفضل القربات ، وفي الحديث : ( أن رجلا سأل النبي  : أي الإسلام خير ؟ قال : تطعم الطعام ... ) فضلا عن تلاوة القرآن الكريم ، والصلاة على رسول الله  ،
وسيأتي في الأدلة الدالة على أصل الإحتفال ، أن رسول الله كان يحتفل بمولده بصيام يوم الإثنين .
بل حتى كثير من المدائح النبوية التي لامغالاة فيها ، ليس فيها خروج عن السنة القويمة ، فقد مدح رسول الله  من شعراء معروفين وأقر ذلك وأكرم بعضهم ، فكيف يقال بعد ذلك : إن الإحتفال بدعة مردودة ليس عليه أمرنا ؟ .
ج. ولعل سكوت النبي عن أشياء ، في كثير من الأوقات، وعدم تشريعه لها ، كان خوفا منه أن تفرض على الأمة ، فلا يقال بعد ذلك : إنها بدعة ، ضلالة . فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( إن كان رسول الله ليدع العمل ، وهو يحب أن يعمل به ، خشية أن يعمل به الناس ، فيفرض عليهم ، وما سبح رسول الله  سبحة الضحى قط ، وإني لأسبحها )    .
فهل يصح أن يسمى عمل أعرض عنه رسول الله  بدعة ، وهو يحب أن يعمله ، لكن منعه من ذلك الخوف من فرضه على الناس ؟ فكيف يحب رسول الله البدع والضلال ؟ .
ثم هذه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، تفعل ما لم يفعله رسول الله  ، حسب قولها ، فهل وقعت في الضلال ؟
وعن أبي أمامة قال : أول من صلى الضحى رجل من أصحاب رسول الله  ، يكنى بأبي الزوائد   . قال السيوطي : وقد تأولوا هذا الأثر على أنه أول من صلاها في المسجد جماعة كما تصلى التراويح   .
وعن مجاهد قال : دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد ، فإذا عبدالله بن عمر جالس إلى حجرة عائشة ، والناس يصلون الضحى في المسجد فسألناه عن صلاتهم فقال : بدعة ...  . قال القاضي عياض والنووي كلاهما في شرح مسلم : مراده أن إظهارها في المسجد بدعة ، والإجتماع لها هو البدعة . قال النووي : أو يقال : المواظبة عليها بدعة ، لأن النبي  لم يواظب عليها ، خشية أن تفرض  .
ومع كل ذلك ، يقول ابن عمر : لقد قتل عثمان ، وما أحد يسبحها ، وماأحدث الناس شيئا أحب إلي منها   .
فهل تستحب مثل هذه البدع ، لولا أنها خير ؟ ولاأظن الإحتفال بالمولد إلا من هذا القبيل .ولهذا السبب ، يجب أن نفهم ما دفع شيخ الإسلام ابن تيمية ، إلى القول في حق من احتفل بالمولد (( محبة للنبي ، وتعظيما له ، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والإجتهاد ... ثم يقول : إذا كان في البدعة نوع من الخير ، فعوض عنه من الخير المشروع بحسب الإمكان ... ولاينبغي لأحد أن يترك خيرا ، إلا إلى مثله ، أو إلى خير منه ))   .
فكيف يجوز أن يحصل فاعل البدعة على الثواب ، والبدعة ضلالة ، والضلالة هي وصاحبها في النار ؟ .
والأمثلة كثيرة ، وقد تطول ، على ما أحدثه الصحابة من أمور تعبدية ليس لها مثيل سابق في عهد النبي  ، فالأذان الأول للجمعة زمن عثمان ، والزيادة على أربعين جلدة في حد الخمر، وإيقاع التطليقات الثلاث بلفظ واحد، زمن عمر  ، وكثير من هذا القبيل مما لايخفى على متتبع .
د.عن أبي الدرداء قال : سمعت رسول الله  قال : ( إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ، وحد حدودا فلا تعتدوها ، وسكت عن كثير عن غير نسيان ، فلا تكلفوها ، رحمة من الله فاقبلوها )   .
وفي رواية : عن أبي ثعلبة قال : إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ، وحد حدودا فلا تعتدوها ، ونهى عن أشياء فلاتنتهكوها ، وسكت عن أشياء رخصة لكم ، ليس بنسيان ، فلا تبحثوا عنها    .
وفي رواية : عن أبي الدرداء مرفوعا : ( ما أحل الله فهو حلال ، وما حرم فهو حرام ، وما سكت عنه فهو عفو ، فاقبلوا من الله عافيته ، فإن الله لم يكن لينسى شيئا )    .
وعن سلمان أنه سئل عن الجبن والسمن والفراء فقال : ( الحلال ما أحل الله في كتابه ، والحرام ما حرم الله في كتابه ، وما سكت عنه ، فهو مما عفا عنه )   .
وإذا كان الإحتفال بالمولد لم يؤمر به ، ولم ينه عنه ، فيكون ضمن المسكوت عنه ، المرخص فيه . والمعنى واضح جدا .
هـ. وبناء على ما مر من أمثلة ، أصبح من المهم جدا التمييز في البدع بين ما يبتدع في العقائد ، وما يبتدع في الفقه ( الأحكام العملية : العبادات والمعاملات ) ، فالفرق شاسع كبير .
فإن من المتفق عليه ، أن الإبتداع في مسائل العقائد شر وضلال ، ولايسامح فاعله إلا بالتوبة ، ولا يثاب ، قال تعالى وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ )   .
وقال : (فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ)   .
ولذلك غضب رسول الله  على الصحابة لما تراجعوا في القدر ، ونهاهم عن الخوض فيه مرة أخرى   . وضرب عمر رضي الله عنه صبيغ بن عسيل على رأسه ، حتى أدماه ، لأنه سأل عن متشابه القرآن الكريم   .
لكن الأمر مختلف في أبواب الفقه ومسائله ، فالمجتهد مأجور وإن أخطأ ، ولايعنف ، ولايبدّع إن اجتهد فأداه اجتهاده إلى حكم جديد لم يسبق له ، مادام أن له مسوغا . ولاشك أن العبادات باب من أبواب الفقه ، لأن علم الفقه يشتمل على الأحكام العملية الشرعية ، وهي : ( العبادات ، والمعاملات ) . والإحتفال بالمولد عمل عبادي ، لادخل له بالعقيدة . قال ابن تيمية : ( الأعياد شريعة من الشرائع )  . فقال : شريعة ، ولم يقل عقيدة . ولو قلنا بأن البدعة الضلالة تنطبق على أبواب العبادات بالمعنى العام ، لكان الصحابة مبتدعة فيما عملوه من عبادات جديدة فيما أوردناه عنهم من أمثلة ، كيف ؟ وهم أبعد الناس عن البدع ، وأشدهم تمسكا بالسنة الصحيحة .
وعلى فرض أن المحتفلين بالمولد على خطأ ، فلا يصح نعتهم بالمبتدعة ، ولايوصف فعلهم بالضلال ، لأن الضلالة في بدع العقائد ، وما عداها قد تذم وقد تحمد ، وتذم إن تعارضت مع نص أو إجماع ، كما ذكر الإمام الشافعي ، وما عداه فهو خير ، ولا يوصل إلا إلى خير .
قال الخطابي  في شرح حديث ( كل محدثة بدعة ) : هذا خاص في بعض الأمور دون بعض ، وهي شيء أحدث على غير مثال ، أو أصل من أصول الدين ، وعلى غير عبادته وقياسه ، وأما ماكان منها مبنيا على قواعد الأصول ، ومردودا إليها فليس بدعة ولا ضلالة    .
وقال ابن حجر الهيتمي : والحاصل أن البدعة الحسنة ، متفق على ندبها ، وعمل المولد ، واجتماع الناس له كذلك ،( أي بدعة حسنة )  .
و.وأما قول المنكرين للإحتفال بالمولد : إن ذلك يعني إحداث عيد جديد في
الإسلام ، لادليل عليه ، والأعياد توقيفية ، لايجوز مجاوزتها  . قال ابن تيمية : (إذ الأعياد شريعة من الشرائع فيجب فيها الاتباع لا الابتداع وللنبي  خطب وعهود ووقائع في أيام متعددة مثل يوم بدر وحنين والخندق وفتح مكة ووقت هجرته ودخوله المدينة وخطب له متعددة يذكر فيها قواعد الدين ثم لم يوجب ذلك أن يتخذ مثال تلك الأيام أعيادا وإنما يفعل مثل هذا النصارى الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى عليه السلام أعيادا أو اليهود وإنما العيد شريعة فما شرعه الله اتبع وإلا لم يحدث في الدين ما ليس منه )  .
والجواب : أن مسألة الأعياد من المسائل التي فصل رسول الله  الكلام فيها ، فحرم ما كان منها محرما ، وشرع ما كان منها مشروعا ، ولاشك أن بيانه في مثل هذه الأحوال يجب أن يكون كاملا ، إذ لايجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ، فلو بقي من الأعياد وراء ذلك عيد محرم لذكره ، وحذر منه ، فلا يعني سكوته بعد ذلك عن عيد آخر إلا الجواز (أي لنا الحرية في فعله أو عدم فعله ) .
1.        فعن أنس قال : قدم النبي  المدينة ، ولهم يومان يلعبون فيهما ، فقال : ( قد أبدلكم الله تعالى بهما خيرا منهما ، يوم الفطر ، ويوم الأضحى )   . فشرع عيدي الفطر والأضحى .
2.        عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله  يقول يوم الجمعة عيد ... )   . وهنا شرع عيد الجمعة . ويؤيده كذلك :
3.        قوله  عن يوم الجمعة حين وافق يوم عيد قد اجتمع في يومكم هذا عيدان ، فمن شاء أجزأه من الجمعة ، وإنا مجمعون )  
4.        عن أبي هُرَيْرَةَ قال قال رسول اللَّهِ   : ( لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا ، ولا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا ، وَصَلُّوا عليّ ، فإن صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ )     . قال المناوي : معناه النهي عن الاجتماع لزيارته اجتماعهم للعيد إما لدفع المشقة أو كراهة أن يتجاوزوا حد التعظيم وقيل العيد ما يعاد إليه أي لا تجعلوا قبري عيدا تعودون إليه متى أردتم أن تصلوا علي فظاهره منهي عن المعاودة والمراد المنع عما يوجبه وهو ظنهم بأن دعاء الغائب لا يصل إليه ويؤيده قوله : (وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم ) أي لا تتكلفوا المعاودة إلي فقد استغنيتم بالصلاة علي.   
فنهى في هذا الحديث عن نوع من أنواع الأعياد الممنوعة شرعا . ولو كان هناك نوع آخر من الأعياد المحرمة لبينه . فدل سكوته على جواز ما عداه . ولذلك ساغ للصحابة الإحتفال بأيام أخرى أخذت معنى العيد وتزيت بزيه .
قال القرطبي : قيل ليوم الفطر والأضحى عيدا : لأنهما يعودان كل سنة . وقال الخليل : العيد كل يوم يجمع ، كأنهم عادوا إليه . وقال ابن الأنباري : سمي عيدا : للعود في المرح والفرح ، فهو يوم سرور الخلق كلهم . وقال ابن حجر العسقلاني عن حديث (دعهما فإنها أيام عيد ): أي يوم سرور شرعي ، فلا ينكر فيه مثل هذا كما لاينكر في الأعراس    .
فإذا لم ينكر الفرح (الذي هو بمعنى العيد) في عرس أي إنسان عادي ، فكيف ينكر ذلك المعنى في الفرح بمولد سيد ولد آدم ؟ . ولذلك سمى الصحابة أياما أخرى عيدا :  
فقد روى البخاري عن عمربن الْخَطَّابِ ( أَنَّ رَجُلًا من الْيَهُودِ ، قال له: يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، آيَةٌ في كِتَابِكُمْ تقرؤونها ، لو عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ ، لَاتَّخَذْنَا ذلك الْيَوْمَ عِيدًا ، قال : أَيُّ آيَةٍ ؟ قال : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا )  قال عُمَرُ: قدعَرَفْنَا ذلك الْيَوْمَ ، وَالْمَكَانَ الذي نَزَلَتْ فيه على النبي   ، وهو قَائِمٌ بِعَرَفَةَ ، يوم جُمُعَةٍ )   .  وذكرابن حجر العسقلاني أنه جاء في رواية الطبري قول عمر لليهودي : (نزلت يوم جمعة يوم عرفة ، وكلاهما بحمد الله لنا عيد) وعند الطبراني ، (وهما لنا عيدان)    . فهذا عمر رضي الله عنه يقر كون يوم عرفة عيدا .
قال ابن حجر العسقلاني : فإن العيد مشتق من العود ، وقيل له ذلك : لأنه يعود في كل عام ، وقد نقل الكرماني عن الزمخشري ، أن العيد هو السرور العائد ، وأقر ذلك ، فالمعنى : أن كل يوم شرع تعظيمه ، يسمى عيدا .....فلا يمنع أن يتخذ عيدا ، ويعظم ذلك اليوم من أوله ، لوقوع موجب التعظيم في أثنائه     .
وأصرح من ذلك أيضا :ما رواه الترمذي عن عَمَّارِ بن أبي عَمَّارٍ ، قال : قَرَأَ ابن عَبَّاسٍ ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا)   وَعِنْدَهُ يَهُودِيٌّ فقال ، لو أُنْزِلَتْ هذه عَلَيْنَا لَاتَّخَذْنَا يَوْمَهَا عِيدًا ، قال ابن عَبَّاسٍ: فَإِنَّهَا نَزَلَتْ في يَوْمِ عِيدٍ ، في يَوْمِ جُمْعَةٍ ،وَيَوْمِ عَرَفَةَ . قال أبو عِيسَى :هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ من حديث ابن عَبَّاسٍ وهو صحيح  
قال ابن حجر العسقلاني : فظهر أن الجواب تضمن أنهم اتخذوا ذلك اليوم عيدا وهو يوم الجمعة ، واتخذوا يوم عرفة عيدا ، لأنه ليلة العيد .   
وعندما أتي عمر بكنوز كسرى بكى ، فقال له عبدالرحمن بن عوف : ما يبكيك ياأمير المؤمنين ؟ فوالله إن هذا ليوم شكر ، ويوم سرور ، ويوم فرح ...    .
فيوم النصر على الأعداء يوم عيد أيضا ، وكذا يوم الهجرة ، ويوم المولد ، كل ذلك لابأس بتسميتها أعيادا بإذن الله تعالى .
بل ورد في الحديث تسمية شهر رمضان وشهر ذي الحجة عيدا ، روى  البخاري ومسلم عن عبدالرحمن بن أبي بَكْرَةَ عن أبيه  عن النبي  قال : شَهْرَا عِيدٍ لاينقصان ، رَمَضَانُ وَذُو الْحَجَّةِ    .
فتخصيص يوم بالفرح أو العبادة أو الذكر غير الأيام المنصوص عليها لايعد مخالفة ، لعدم النص على المنع من ذلك ولذلك كان ابن مسعود يذكّر الناس كل خميس ، فقال له رجل : ياأبا عبدالرحمن ، لوددت أنك ذكرتنا كل يوم ، قٌال : أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم ، وإني أتخولكم بالموعظة ، كما كان النبي  يتخولنا بها ، مخافة السآمة علينا    .
وروى ابن تيمية عن عبد العزيز بن محمد الداروردي قال : رأيت رجلا من أهل المدينة يقال له : محمد بن كيسان ، يأتي إذا صلى العصر من يوم الجمعة ، ونحن جلوس مع ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، فيقوم عند القبر  ، فيسلم على النبي  ، ويدعو حتى يمسي ، فيقول جلساء ربيعة : انظروا إلى ما يصنع هذا ، فيقول : دعوه فإنما للمرء ما نوى .
وهذه الحكاية قد يتمسك بها على الطرفين ، فإنها تتضمن أن الذي فعله هذا الرجل ، أمر مبتدع عندهم ، لم يكن من فعل الصحابة ولا غيرهم من علماء أهل المدينة ، وإلا لو كان هذا أمرا معروفا من عمل أهل المدينة ، لما استغربه جلساء ربيعة وأنكروه ...
ثم إن جلساء ربيعة وهم قوم فقهاء علماء ، أنكروا ذلك ، وربيعة أقره ، فغايته أن يكون في ذلك خلاف ، ولكن تعليل ربيعة له : بأن لكل امرئ ما نوى ، لا يقتضي الإقرار على ما يكره ، فإنه لو أراد الصلاة هناك لنهاه وكذلك لو أراد الصلاة في وقت نهي ، وإنما الذي اراده ربيعة والله أعلم ، أن من كانت له نية صالحة أثيب على نيته ، وإن كان الفعل الذي فعله ليس بمشروع ، إذا لم يتعمد مخالفة الشرع .فهذا الدعاء وإن لم يكن مشروعا لكن لصاحبه نية صالحة قد يثاب على نيته   .
ورحم الله أبا الطيب محمد بن إبراهيم السبتي ، الفقيه المالكي المتوفى سنة 695هـ  نزيل قوص ، وأحد العلماء العاملين ، فإنه كان يجتاز إلى الكتاتيب في يوم المولد النبوي ، فيقول للمعلمين : يافقيه ، هذا يوم سرور ، اصرف الصبيان ، فيصرفونهم    .

الدليل الثاني للمنكرين : أن عمل المولد لو كان خيرا محضا ، أو راجحا ، لكان السلف  أحق به منا ، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله  وتعظيما له منا ، وهم على الخير أحرص ، وإنما كمال محبته وتعظيمه ، في متابعته ، وطاعته ، واتباع أمره ، وإحياء سنته باطنا وظاهرا ، ونشر ما بعث به ، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان ، فإن هذه طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ، والذين اتبعوهم بإحسان   .
ومثل هذا الكلام مردود أيضا : فإن القرآن الكريم أبطل هذا المذهب ، فقال تعالى : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْراً مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ)   . فادعوا أنهم حازوا كل الخير ، ولو كان الإسلام خيرا لحازوه قبل غيرهم . وكذا هنا ،لايصح هذا القول ، فالصحابة رضي الله عنهم قالوا عن بعض آرائهم أنها خطأ ، ومعلوم أن الخطأ ليس من الخير ، فقد كان أحدهم إذا أراد أن يفتي يقول : سأقول رأيي ، فإن كان صوابا فمن الله ، وإن كان خطأ ، فمني ومن الشيطان ، والله ورسوله بريئان. قال ذلك أبو بكر الصديق في الكلالة ، وقال نحوها ابن مسعود في المرأة التي توفي عنها زوجها ، ولم يكن فرض لها صداقا ، ولم يدخل بها ، وقال مثل ذلك: عمر وابن عمر وغيرهم   .  
فليس من الضروري أن يحوز الأنسان كل الخير، ولايفوته شيء منه ، وكذا أهل عصر دون غيرهم ، قال  ابن حجر العسقلاني عن قوله  :  ( إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة ، من يجدد لها دينها )  :  لا يلزم ان يكون في رأس كل مائة سنة واحد فقط ، بل يكون الأمر فيه كما ذكر في الطائفة ، ... فإن اجتماع الصفات المحتاج إلى تجديدها ، لا ينحصر في نوع من أنواع الخير ، ولا يلزم أن جميع خصال الخير كلها في شخص واحد    .
فلايلزم أن يحوز أهل عصر كل الخير ، ولايفوتهم منه شيء ، فقد ذكرنا سابقا ، أن المسلمين أحدثوا من الأمور التي فيها خير كثير للأمة ، وللدين ، ما لم يفعله من سبقهم ، كتصنيف الكتب ، وافتراض المسائل ، ووضع الحلول لها قبل حصولها ، مما نفع من أتى بعدهم النفع الكبير ، ووضعوا علوما لم تكن معروفة عند من قبلهم ، كعلم النحو والمعاني والبيان والأوزان ، ولايسعنا أن نقول: إن هذه الأمور لو كانت خيرا ، لسبقهم إليها الصحابة الكرام ، فسبحان من تفرد بالكمال ، واتصف غيره بالنقص ، وقد قال تعالى وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ)     
فما وصلوا إليه بعلمهم ، لم يكن كل شيء ، وقد أخبر القرآن الكريم عن كثير من المعلومات ، أنها لن تفهم أو تعلم ، إلا بعد حين . قال تعالى : (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ)  .
وقال : ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ )   .
فليس من الصواب القول : بأن الصحابة عرفوا كل شيء ، ولم يفتهم أي شيء، لكن يقال : عرفوا ما كان في زمانهم ، وما يلائم عصرهم ، ولم يفتهم منه شيء ، لكن أبواب العلم كثيرة ، وأبواب الخير واسعة ، ولعلهم كان لديهم ما يشغلهم بشكل أكبر من شغلهم بالمولد ، ومعلوم أننا يجب أن نأخذ بفقه الأولويات ، فمهمة نشر الدين ، والدعوة إلى الله ، في بداية الإسلام ، كانت أكبر وأعظم ، من كل شيء سواها ، كما كانت الدعوة إلى التوحيد فقط ، هي الأهم والأولى في العهد المكي ، قبل العهد المدني من تاريخ الدعوة ، ولذلك كان فيها فإن الله حرم على النار أن تأكل من قال لاإله إلا الله يبتغي بها وجه الله ) قال ابن شهاب الزهري : أدركنا الفقهاء وهم يرون أن ذلك كان من قول رسول الله  قبل أن تنزل موجبات الفرائض في القرآن     .
فليس هناك أهم من ذلك في تلك المرحلة .
ولعل المسلمين بعد أن استقرت دولتهم ، وقويت شوكتهم في العصور اللاحقة ، صار لديهم مايشبه الترف الديني والفكري والعملي ، فقالوا وعملوا ما لم يقله الصحابة والتابعون ولم يعملوه ، لكن ليس بدافع المخالفة ، وإنما بدافع الوصول إلى الكمال . والله تعالى أعلم .

الدليل الثالث : قال تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً)   .
فالله تعالى قد أكمل لنا الدين ، وإحداث مثل هذه الموالد ، يفهم منه أن الله سبحانه لم يكمل الدين لهذه الأمة ، وأن الرسول  لم يبلغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به ، حتى جاء هؤلاء المتأخرون ، فأحدثوا في شرع الله سبحانه ، ما لم يأذن به ، وهذا بلا شك فيه خطر عظيم ، واعتراض على الله سبحانه ، وعلى رسوله  ، والله سبحانه قد أكمل لعباده الدين ، وأتم عليهم النعمة ، والرسول  قد بلغ البلاغ المبين ، ولم يترك طريقا يوصل إلى الجنة ، ويباعد من النار ، إلا بينه للأمة ، وقد صح عنه قوله : ( لم يكن نبي قبلي ، إلا كان حقا عليه ، أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم ، وينذرهم شر ما يعلمه لهم )   . ومعلوم أن نبينا  ، هو أفضل الأنبياء وخاتمهم ، وأكملهم بلاغا ونصحا ، فلو كان الإحتفال بالموالد من الدين الذي يرضاه الله سبحانه ونبيه  للأمة ، لفعله في حياته ، أو فعله أصحابه ، فلما لم يقع شيء من ذلك ، علم أنه ليس من الإسلام في شيء ، بل هو من المحدثات التي حذر منها أمته    .
والجواب على ذلك : أن المقصود بإكمال الدين ،إكمال العقائد والأحكام الأساسية ، قال القرطبي : وقيل: ( أكملت لكم دينكم) بأن أهلكت لكم عدوكم وأظهرت دينكم على الدين كله كما تقول قد تم لنا ما نريد إذا كفيت عدوك . وقد نزل بعد ذلك قرآن كثير ونزلت آية الربا ونزلت آية الكلالة إلى غير ذلك وإنما كمل معظم الدين وأمر الحج إذ لم يطف معهم في هذه السنة مشرك ولا طاف بالبيت عريان ووقف الناس كلهم بعرفة     .
روى الطبري عن ابن عباس قوله:( اليوم أكملت لكم دينكم) وهو الإسلام قال: أخبر الله نبيه والمؤمنين أنه قد أكمل لهم الإيمان فلا يحتاجون إلى زيادة أبدا ، وقد أتمه الله عز ذكره فلا ينقصه أبدا وقد رضيه الله فلا يسخطه أبدا .      وقال قتادة :أخلص الله لهم دينهم ونفى المشركين عن البيت   .
وإنما ينصرف الذهن إلى معنى العقيدة دون غيرها ، لأن القرآن الكريم كثيرا ما يستعمل كلمة الدين في العقائد ، نظير ذلك قوله تعالى : ( ولاتكونوا من المشركين مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)   
وقوله أيضا :( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)   .
ومعلوم أن الإختلاف في الفروع الفقهية أمر مشروع ،  لكن الإختلاف في الأصول والعقائد أمر محرم في شرع الله تعالى . ولذلك تحمل هذه الآيات على الخلاف العقائدي المحرم ، وهذا دليل على أن كلمة ( الدين ) هي العقيدة . فقد جرى الإختلاف في الفروع الفقهية زمن رسول الله ، بين الصحابة الكرام ، وأقرهم جميعا ، ولم ينكر عليهم ، في حوادث مشهورة   . لكن ورد النهي عن الإختلاف في الأصول ومنها العقائد المقصودة بكلمة( الدين ) وعلى هذا فمعنى الآية : (أكملت لكم دينكم ) أي عقيدتكم . والله تعالى أعلم .
وقد سبق أن قررنا أن الإحتفال بالمولد ، من باب الفروع الفقهية ، وليس من باب العقائد ، وبالتالي فلا مصادمة بينه وبين هذه الآية . ولو حملنا هذه الآية على جميع الدين عقيدة وشريعة ، أصولا وفروعا ، لما جاز لمجتهد أن يحدث حكما ، أو يفتي في مسألة جديدة إلا بالتحريم والمنع منها ، لأن الدين قد كمل ، وهذا خطأ فادح لايقبله شرع الله ، وإلا لانتهى الفقه ، وانغلق باب الإجتهاد .
ثم إن الآية لم تكن آخر القرآن نزولا ، فقد نزل بعدها آيات تحمل أحكاما فقهية عملية ، فلا يصح حملها على الفروع الفقهية بحال لأن ذلك مناقض للواقع .
أما الحديث الذي أوردوه ، وقولهم : إن إحداث المولد معناه : أن الرسول  لم يبلغ الدين كاملا ، ولو كان ذلك من أبواب الخير لذكره رسول الله .
والجواب على ذلك : أن أبواب الخير كثيرة ، وأدنى الخير أن يكون الشيء مباحا ، قال تعالى عن رسوله  : ( وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ )   . والطيبات لا بد أنها من الخير ، وإحلالها تشريع لها .
كما أنه من المعلوم ، بأن ماطلب الشارع الإتيان به درجات ، أعلاها : ماأوجبه ، ويأتي بعده مااستحب فعله ، وآخر المطلوب إتيانه ، ماأباحه . وقد قررنا سابقا بأن الله تعالى فرض فرائض ، وألزمنا بعدم تضييعها ، ونهى عن أشياء ، وألزمنا اجتنابها ، وسكت عن أشياء ، من غير نسيان ، وإنما رحمة بنا ، لئلا يكلفنا ما لانطيق ، وترك الأمر فيها إلينا ، فهي من المباح ، ولو كانت شرا أو تفضي إلى شر لحرمها ، ولعل الإحتفال بالمولد مما سكت عنه ، ولم يأمر به أو ينهى عنه ، فيكون مباحا ، والمباح داخل في المطلوب فعله ، لأنه أدنى درجات التكليف . فسكوته  بحد ذاته تشريع بإباحة ما سكت عنه ، كما في سكوته على ما يفعل بحضره فإنه يعد إقرارا له .
ومن المعلوم عند علماء الأصول ، أن الحكم التكليفي ، يقتضي طلب الفعل أو طلب الكف عنه أو التخيير بين الفعل والترك . قال الآمدي عن أقسام الحكم التكليفي : وإن لم يكن متعلقا بخطاب الإقتضاء ، فإما أن يكون متعلقا بخطاب التخيير ، أو غيره ، فإن كان الأول : فهو الإباحة ، وإن كان الثاني ، فهو الحكم الوضعي   .
أي أنه يقسم الحكم إلى ثلاثة أقسام : حكم اقتضائي : وهو مايقتضي طلب الفعل ، أو الكف عنه ، وحكم تخييري ، وهو ما يقتضي التخيير بين الفعل والترك ، وحكم وضعي ، وهو جعل شيء سببا لشيء ، أو شرطا له ، أو مانعا منه   .
وبالتالي : فاحتفال المولد شرعه الشارع بإباحته ، وتشريعه ، بناء على سكوت الله ورسوله  عنه ، فبعد ذلك لايصح أن يقال : لو كان من أبواب الخير لدلنا عليه رسول الله  ، فإن سكوته عنه دلالة إشارية إلى جواز فعله ، ولو كان شرا لنهى عنه ، لأن الشيء إما أن ينسب إلى الخير أو ينسب إلى الشر ، ليس بينهما شيء آخر . فلما لم يمنع منه رسول الله  ، علم أنه ليس من الشر ، فلزم أن يكون من الخير ، وشرعنا كله خير .
الدليل الرابع :أن الإحتفال بالمولد ، يدخل ضمن التشبه بأهل الكتاب ، من اليهود والنصارى ، في أعيادهم ، فهو ليس من دين الإسلام في شيء   .
قال ابن تيمية : وإنما يفعل مثل هذا النصارى الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى عليه السلام أعيادا ، أو اليهود ، ... وكذلك ما يحدثه بعض الناس ، إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام وإما محبة للنبي  ، وتعظيما له .   وقد صح في الحديث قوله  : ( إياكم والغلو في الدين ، فإنما أهلك من كان قبلكم ، الغلو في الدين )  .وقال  :( لاتطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ...)  
والجواب : لاشك أن الله ورسوله  نهيا الأمة عن التشبه بأهل الكتاب ، وجاء الأمر بمخالفتهم ، لكن يبدو أن هذا النهي أو الأمر ليس على إطلاقه ، فإن المقصود بالتشبه المنهي عنه ، فعل مااختص به أهل الكتاب ، وعرفوا به دون غيرهم ، أم ما كان عاما عندهم وعند غيرهم ، فله حكم آخر ، فأهل الكتاب يؤمنون بالله ، ونحن نؤمن ، واليهودي أو المسيحي المتدين يطلق لحيته ، والمسلم كذلك ، ولايسمى هذا تشبها . والضابط في هذا : أن الأمر إن كان فيه خير ، وقصد به وجه الله تعالى ، أو إصلاح الدين ، أو اقتضته عقيدتنا الصحيحة ، فلا مانع منه إنشاء الله تعالى . ولنا في رسول الله أسوة حسنة ، فقد صح عن ابن عباس أنه قال : قدم النبي المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء ، فقال : ماهذا ؟ قالوا : هذا يوم صالح ، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم ، فصامه موسى . قال : أنا أحق بموسى منكم ، فصامه ، وأمر بصيامه  . وفي رواية : فقالوا : هذا اليوم الذي أظفر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون ، ونحن نصومه تعظيما له ، فقال رسول الله  : نحن أولى بموسى منكم ، ثم أمر بصيامه   .
وعن أبي موسى الأشعري قال : كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيدا ، قال النبي : فصوموه أنتم   .
كماصح عن ابن عباس أيضا : أن النبي كان يسدل شعره ، وكان المشركون يفرقون رؤوسهم ، وكان أهل الكتاب يسدلون رؤوسهم ، وكان النبي  يحب موافقة أهل الكتاب ، فيما لم يؤمر فيه بشيء ، ثم فرق النبي  رأسه   .
فهل صيامه  عاشوراء ، يعد تشبها باليهود ؟ أم أنه رأى أن في  الأمر احتفالا بموسى عليه السلام ، وفرحا بنصره ، وأن ذلك اليوم ، يوم من أيام الله التي أعز فيه الإيمان وخذل الشرك ، وهو معنى مقبول شرعا ، كما قال تعالى :      ( وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُون بنصر الله)   . فإذا وافق ذلك العمل المشروع ، ماكان عند اليهود ، فهي محض موافقة غير مقصودة ، وإنما جاءت بدافع شرعي ، هو إظهار حب موسى وولائه ، ولايبطلها أن اليهود يعملون مثل ما عملنا . ومن هذ الباب قوله  : ( ...وَالْجِهَادُ مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَنِي الله إلى أَنْ يُقَاتِلَ آخِرُ أُمَّتِي الدَّجَّالَ لَا يُبْطِلُهُ جَوْرُ جَائِرٍ ولا عَدْلُ عَادِلٍ ...)   . وفي رواية      : ( واجب عليكم مع كل أمير برا كان أو فاجرا )  ومعناه أن حكم الجهاد باق على الأمة لايبطله كون القائد أو الإمام فاجرا أو غير ذلك ،  فلايسقط بفسق الإمام أو جوره . وكذا هنا ، إذا كان الفعل خيرا فهو مشروع لنا ، ولايبطله فعل الكافر له.
وأما الحديث الثاني : فواضح فيه أن رسول الله  ، لما سدل شعره أراد مخالفة المشركين ، لأن فرق الرأس ليس فيه معنى شرعي مستساغ يدفعه إلى فعله ، فلما رأى أن اليهود يسدلون شعورهم ، ربما ظن أن السدل كان من سنن من سبقه من الأنبياء ، وهو مأمور بالاقتداء بهم بقوله تعالى : (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)   . أما مشابهة اليهود له فليست مقصودة لذاتها . ولذلك لايصح أن يقال : إنه لما عاد لفرق الرأس أنه تشبه بالمشركين .  وبالتالي فالنتيجة هي : أن العمل إن كان القصد منه شرعي ، أو يحقق مقصدا شرعيا ، أو مصلحة مشروعة ، فلا مانع من فعله ، وإن وافق فعل أهل الكفر ، فقد كتب الله عزوجل علينا الصيام ، وأهل الكتاب يصومون ، وأثبت ذلك القرآن الكريم : )َ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)   . وكتب علينا القصاص ، وهو عند اليهود ، وفي توراتهم :   ( وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)   .
على أنه تجدر الإشارة إلى حقيقة هي : أنه ما من مسلم عاقل ، يحتفل بمولده   وهو قاصد التشبه بأهل الكتاب ، لكن ربما هذا المقصد موجود في احتفال بعضهم بمولد نفسه، أو قريب له، ولاسيما ممن يخف عنده الوازع الديني . أما الإحتفال بمولد الرسول الكريم   ، فلايشك أحد ، أن مثل هذا القصد ، أبعد ما يكون عن تفكيره وخاطره ، فكيف يتقرب المسلم إلى الله ورسوله بالتمثل بأعدائهما ، ومن كفر بهما ؟ لايقول هذا عاقل .
ولننظر إلى الشق الثاني من كلام ابن تيمية الذي أوردته في بداية هذا الدليل ، فإنه أقر بأن البعض يفعله محبة للنبي ، ولاأظن أن أحدا من المحتفلين ، يختلف قصده عن هذا المقصد ، فأي ضير أو مانع من محبته ، وهو القائل : لايؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين   .
أما ماذكره من الغلو في الدين ، والإطراء كما أطرت النصارى عيسى عليه السلام ، فذاك أمر متفق على حرمته ، فإذا بلغ الإنسان مرحلة الغلو ، وجاوز الحد ، وبلغ الإطراء إلى رفع الرسول   فوق مرتبة العبودية لله عزوجل ، فذلك هو الحرام المتفق على منعه ، فإن النصارى ادعو ألوهية عيسى عليه السلام ، ولايحق لمسلم أن يدعي ذلك في رسول الله   ، فإنما هو عبدالله ورسوله ، ولا مرتبة أعظم من أن يكون الإنسان عبدا لله تعالى بحق ، وقد قالها   بصريح العبارة :( لاتطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ، فإنما أنا عبده ، فقولوا : عبدالله ورسوله )   .
الدليل الخامس : إذا كان تاريخ مولد رسول الله  غير متفق عليه ، في أي شهر ، وفي أي يوم من ذلك الشهر ، فكيف يصح الإحتفال به ، وحصر ذلك الإحتفال بيوم معين من كل عام ؟ .
يقول ابن تيمية : والله قد يثيبهم على هذه المحبة ، والإجتهاد ، لاعلى البدع ، من اتخاذ مولد النبي  عيدا ، مع اختلاف الناس في مولده  .
وقال ابن حجر العسقلاني : وعلى هذا فينبغي أن يتحرى اليوم بعينه ..... ومن لم يلاحظ ذلك ، لايبالي بعمل المولد في أي يوم من الشهر ، بل توسع قوم فنقلوه إلى يوم من السنة ، وفيه ما فيه   .
والجواب : أنه لاينكر أن هناك أقوالا كثيرة في تحديد يوم المولد وشهره . فقيل : هو الأول ، وقيل : الثالث ، وقيل : الثامن ، وقيل : العاشر ، وقيل : الثاني عشر ، وقيل : السابع عشر( يوم الجمعة ) ، وقيل : الثامن عشر من ربيع الأول ، وقيل : لثمان بقين منه ، وقيل : الثاني عشر من رمضان ، وقيل يوم عاشوراء ، وقيل: في صفر ، وقيل : في ربيع الثاني   .
ولاأدعي أن في وسعي تحديد الصحيح من هذه الأقوال ، لكن سأحاول الوصول إلى أرجحها بحسب الوسع مستعينا بالله عزوجل .
فقد اتفق معظم أئمة التاريخ والسير على : أنه و لد يوم الإثنين من شهر ربيع الأول عام الفيل   . لكنهم اختلفوا بعد ذلك :
وقد ذكر ابن كثير ،أن من قال : إنه ولد يوم الجمعة 17 ربيع الأول ، أبعد وأخطأ ، لأنه لاخلاف بين العلماء أنه ولد يوم الإثنين ، ونقل عن الحافظ ابن دحية ، تضعيفه ، ثم قال : وهو جدير بالتضعيف ، إذ هو خلاف النص  .وقال صاحب السيرة الحلبية : والله بل أخطأ من قال : ولد يوم الجمعة  
أما القول : بأنه ولد في رمضان ، فقال ابن كثير : قول غريب جدا ، وكأن مستنده : أنه عليه الصلاة والسلام ، أوحي إليه في رمضان بلا خلاف ... فيكون مولده في رمضان ، وهذا فيه نظر .
وأما القول : بأنه ولد في أول شهر ربيع الأول ، فالخبر فيه غريب جدا .
ثم عاد فقال عن مولده يوم 8 ربيع الأول : نقل ابن عبدالبر، عن أصحاب التاريخ ، أنهم صححوه ، وقطع به الحافظ الكبير محمد بن موسى الخوارزمي ، ورجحه الحافظ أبو الخطاب بن دحية ، في كتابه التنوير في مولد البشير النذير .قال صاحب السيرة الحلبية : قال ابن دحية : وهو الذي لايصح غيره ، وعليه أجمع أهل التاريخ .وقال القسطلاني : وهو اختيار أكثر أهل الحديث ، أي كالحميدي وشيخه ابن حزم .
وأما عن تاريخ 18 ربيع الأول ، فقال : رواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن جابر وابن عباس ، وقال : هذا قول : ابن حزم ، وهو المشهور عند الجمهور . إلا أن صاحب السيرة الحلبية قال : عن رواية ابن أبي شيبة : هو حديث معلول.
أما من قال : إنه ولد لثمان بقين من ربيع الأول ، فقد نقله ابن دحية عن ابن حزم ، لكن قال ابن كثير : والصحيح عن ابن حزم أنه قال : ولد يوم 18 ربيع الأول .
أما يوم 12 ربيع الأول : فهو قول محمد بن إسحاق    . وقد رماه الإمام أحمد بالتدليس ، وسئل : إذا انفرد ابن إسحاق بحديث ، تقبله ؟ قال : لا . إني رأيته يحدث عن جماعة بالحديث الواحد ، ولا يفصل كلام ذا ، من كلام ذا   .
وقال صاحب السيرة الحلبية :  قال فيه ابن دحية :  ذكره ابن إسحاق مقطوعا دون إسناد ، وذلك لا يصح أصلا، ولو أسنده ابن إسحاق لم يقبل منه، لتجريح أهل العلم له ، فقد قال كل من ابن المديني وابن معين :إن ابن إسحاق ليس بحجة ، ووصفه مالك رضي الله تعالى عنه بالكذب ، قيل : وإنما طعن فيه مالك لأنه بلغه عنه أنه قال :هاتوا حديث مالك ، فأنا طبيب بعلله. فعند ذلك قال مالك: وما ابن إسحاق ؟ إنما هو رجل من الدجاجلة، أخرجناه من المدينة.وقال بعضهم: ابن إسحاق فقيه ثقة لكنه مدلس  .
أما القول : بأنه ولد في عاشوراء ، فقد ذكر الذهبي أن ذلك من الإفك ، أي الكذب ، وكذا عن قول من قال : في صفر أو رييع الثاني  
وعلى هذا فأرجح الأقوال في هذه المسألة : أنه ولد يوم 8 ربيع الأول .
وفي محاولة مني لإيجاد قرينة تقوي هذا التاريخ ، بالعودة إلى الحسابات الفلكية العلمية ، راجعت فيها الأستاذ الدكتور مجيد محمود جراد ، أستاذ الفيزياء الفلكية ، في جامعة الأنبار ، فذكر لي ما نصه : أن مجموع المصادر والمراجع التاريخية ، لاتتفق على يوم محدد ، لمولده  ، وإنما ذكرت أياما مختلفة ، فضلا عن إشارتها إلى سنين مختلفة ، فمنهم من يجعل عام الفيل هو العام الميلادي (570 )، ومنهم من يجعله العام (571).
ومما تجدر الإشارة إليه ، أن العرب قبل ولادة الرسول   ، وبعد ولادته بعدة سنوات ، لم تكن لديهم الوسائل العلمية المتيسرة لدينا في الوقت الحاضر ، لحساب وتثبيت بدايات الأشهر القمرية بالدقة المطلوبة ، إضافة إلى هيمنة أساليب الكبس والنسيء  ، التي كانت طاغية في ذلك الزمان ، فيحرّمون بعض الأشهر ، ويحللون الأخرى وفقا لمصالحهم وأهوائهم ، وظل ذلك طاغيا ، حتى جاء الإسلام ، وحرمه تحريما أبديا ، ولذلك ، فإننا نستطيع القول: بأن الحسابات العلمية الفلكية قد لاتتطابق مع واقع التاريخ المتعارف عليه في تلك الأزمنة ، وقد تعطينا هذه الحسابات ، نتائج تختلف عما كان يؤرخ له الناس في ذلك الحين .
ولكن مع وجود هذه الموانع ، فقد تم استخدام الحسابات الفلكية العلمية ، لحساب اليوم والتاريخ المقابل ليوم ( 8 ربيع الأول ) لعام (570م) ، فوجد أنه يقابل يوم الثلاثاء ( 29 / 4 / 570م ) . وبالنسبة ليوم (12 ربيع الأول ) لعام (570م) ، فوجد أنه يوافق يوم السبت ( 3/5/571م) . وبالتالي ، فلاصحة لقول من قال : إن العام الذي حصل فيه المولد هو العام (570) ، لأن الثابت في السنة النبوية ، أن يوم الولادة كان يوم الإثنين ، وليس الثلاثاء أو السبت .
ولكن من خلال استخدام الحسابات الفلكية ، وجد أن هلال شهر ربيع الأول للعام (571م) أو (عام الفيل) قد حدث في تمام الساعة العاشرة وثلاث عشرة دقيقة ، صباح يوم الجمعة الموافق : ( 10 / 4 / 571 ) وقد غاب الهلال الوليد ، خلف أفق مكة المكرمة ، بعد غياب الشمس بمدة قصيرة جدا ، بحيث أن رؤيته مساء ذلك اليوم ، كانت مستحيلة ، حتى لو تم استخدام المراقب والمناظير الفلكية ، التي لم تكن متوفرة حين ذاك .
وبناء على هذه النتيجة ، يكون اليوم الأول من شهر ربيع الأول هو : يوم الأحد الموافق ( 12/4/571م) . ومنه نعلم ، أن يوم ( 8 ربيع الأول ) الذي ورد في بعض الروايات التاريخية ( والتي ذكرنا تقوية العلماء وتصحيحهم له ) يوافق يوم الأحد ( 19/4/571م) . وأن يوم (12/ ربيع الأول ) يوافق يوم الخميس  ( 23/4/571) أي أن الولادة حصلت ،وفقا للحساب الفلكي ، إما يوم الأحد ،أو الخميس . انتهى كلام الدكتور مجيد محمود جراد .
وفيما يلي جدول بتواريخ أيام شهر ربيع الأول حسب الحسابات التي أجراها الأستاذ الدكتور مجيد محمود جراد ، يتبين من خلالها كيفية موافقة يوم الثامن من ربيع الأول ليوم الإثنين :

ربيع الأول سنة 571 م
السبت
        قمري        ---        7        14        21        28
        شمسي        ---        18/4        25/4        2/5        9/5
الأحـد
        قمري        1        8        15        22        29
        شمسي        12/4        19/4        26/4        3/5        10/5
الإثنـين
        قمري        2        9        16        23        30
        شمسي        13/4        20/4        27/        4/5        11/5
الثلاثاء
        قمري        3        10        17        24       
        شمسي        14/4        21/4        28/        5/5       
الأربعاء
        قمري        4        11        18        25       
        شمسي        15/4        22/4        29/4        6/5       
الخميس
        قمري        5        12        19        26       
        شمسي        16/4        23/4        30/4        7/5       
الجمعة
        قمري        6        13        20        27       
        شمسي        17/4        24/4        1/5        8/5       
وأقول : إن أعلام التاريخ قد ذكروا : أن ولادة الرسول الكريم   حصلت ليلا  قال ابن عباس : إن رسول الله  وضع ليلا ، وكان أهل الجاهلية ، إذا ولد لهم مولود من تحت الليل ، رموه تحت الإناء ، فلا ينظرون إليه حتى يصبحوا ، فلما ولد رسول الله   ، رموه تحت البرمة  ، فلما أصبحوا ، إذا هي قد انفلقت ، وعيناه إلى السماء...   .
فيمكن أن يقال : إذا وافقنا ما رجحه العلماء في تاريخ (8 ربيع الأول عام 571م) ، فإن الولادة المباركة تمت ليلة الإثنين ، ولأن بداية اليوم تكون من الليل ، كما يقال : ليلة الجمعة ، وليلة العيد ...الخ . فلا مانع من القول : إنه ولد بتاريخ ( 8 ربيع الأول ) الموافق ليوم الأحد ، ليلة الإثنين . فجمع الرواة بين تاريخ يوم الأحد ، وليلة الإثنين ، وإنما لم يقولوا : ولد يوم (9 ربيع الأول) لأن ولادته لم تكن صباحا ، فحسبت على اليوم السابق . والله تعالى أعلم .
وإنما تركت يوم الثاني عشر من ربيع الأول ، لأنه يوافق يوم الخميس ، وكذلك يوم الثامن عشر منه ،لأنه يوافق يوم الأربعاء . فكان أقرب التواريخ هو يوم الثامن من ربيع الأول .
فالذي تميل إليه النفس فعلا ، هو يوم الثامن من ربيع الأول ، لما ذكرت من تصحيح أهل التاريخ له ، وقطع الخوارزمي به،  وترجيح الحافظ ابن دحية له، وحكاية الحميدي له عن شيخه ابن حزم ، ورواية الرواة له عن الزهري    .
فهؤلاء علماء التاريخ والحساب والحديث والفقه وغيرهم ، كلهم رجحه ، وقواه ، واختاره . وإذا ثبت ذلك فلا حجة في قول المنكرين : ( مادام التاريخ غير متفق عليه ، فلا يصح الإحتفال به لجهالته .
وعلى فرض بقاء جهالته ، وعدم معرفتنا لوقته الصحيح الذي حصل فيه ، بسبب النسيء الذي كانت تستخدمه العرب ، فإننا نلمح في فعله   ، ما يدل على جواز فعله طيلة أيام العام ، فسوف نذكر ( أن رسول الله   سئل عن صيام يوم الإثنين . قال : ذاك يوم ولدت فيه ، ويوم بعثت أو أنزل علي فيه)   . فلعل الله تعالى لم يطلعه على تاريخ مولده في أي شهر كان ، لعدم ثبات الشهور في تلك الأزمنة بسبب النسيء ، فصام احتفالا بمولده وبعثته يوم الإثنين من كل إسبوع ، فكرر الإحتفال بذلك قرابة (48) مرة في العام الواحد . فلابأس أن يقام الإحتفال بمولده في أي يوم اثنين، من أي شهر . والله تعالى أعلم . وفي هذا جواب على اعتراض ابن حجر العسقلاني الذي قدمناه ، حينما اشترط تحري يوم المولد بعينه ، وحذر من فعل من توسع فيه ، فجعله يوما من السنة ، وقال : ( فيه ما فيه ).
ومن المناسب هنا ، ذكر اللطيفة التي أوردها ابن الحاج وغيره ، في بيان الحكمة ، من اختيار الله تعالى ، مولد نبيه  ، يوم الإثنين من شهر ربيع الأول حيث قال : فإن قال قائل : ما الحكمة في كونه عليه الصلاة والسلام ، خص مولده الكريم بشهر ربيع الأول ، وبيوم الإثنين منه على الصحيح والمشهور عند أكثر العلماء ، ولم يكن في شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ، وفيه ليلة القدر ، واختص بفضائل عديدة ، ولا في الأشهر الحرم ، التي جعل الله لها الحرمة ، يوم خلق السماوات والأرض ، ولا في ليلة النصف من شعبان ، ولا في يوم الجمعة ، ولا في ليلتها ؟ فالجواب من أربعة أوجه :  
الوجه الأول : ما ورد في الحديث ، من أن الله تعالى ، خلق الشجر يوم الإثنين  . وفي ذلك تنبيه عظيم ، وهو أن خلق الأقوات والأرزاق ، والفواكه والخيرات التي يتغذى بها بنو آدم ، ويحيون ، ويتداوون ، وتنشرح صدورهم لرؤيتها ، وتطيب بها نفوسهم ، وتسكن بها خواطرهم عند رؤيتها ...  يشبه وجوده   في هذا الشهر ،في هذا اليوم ، بسبب ما وجد من الخير العظيم ، والبركة الشاملة ، لأمته صلوات الله عليه وسلامه .
الوجه الثاني : فيه إشارة وتفاؤل بالنسبة إلى اشتقاقه ، وقد قال الشيخ الإمام أبو عبدالرحمن الصقلي رحمه الله : لكل إنسان من اسمه نصيب . ففصل الربيع ، فيه تنشق الأرض عما في بطنها ، من نعم المولى سبحانه وتعالى ، وأرزاقه ...
الوجه الثالث :أن فصل الربيع أعدل الفصول وأحسنها ، وشريعته أعدل الشرائع وأسمحها .
الوجه الرابع : أن الحكيم سبحانه أراد أن يشرف به الزمان الذي ولد فيه ، فلو ولد في الأوقات المتقدم ذكرها ، لكان قد يتوهم أنه يتشرف بها . والعكس هو الصحيح    .
الدليل السادس : إذا كان الشهر الذي ولد فيه  هو ربيع الأول ، هو بعينه الشهر الذي توفي فيه ، فليس الفرح فيه بأولى من الحزن فيه . قال ذلك الفاكهاني ، فيما نقله عنه السيوطي   .
وقد أجاب عن ذلك السيوطي بقوله : إن ولادته  أعظم النعم علينا، ووفاته أعظم المصائب لنا ، والشريعة حثت على إظهار شكرالنعم ، والصبر والسكون والكتم عند المصائب ، وقد أمر الشرع بالعقيقة عند الولادة ، وهي إظهار شكر وفرح بالمولود ، ولم يأمر عند الموت بذبح ولا بغيره ، بل نهى عن النياحة ، وإظهار الجزع ، فدلت قواعد الشريعة ، على أنه يحسن في هذا الشهر ، إظهار الفرح بولادته  ، دون إظهار الحزن فيه بوفاته ، وقد قال ابن رجب في كتاب اللطائف ، في ذم من اتخذ يوم عاشوراء مأتما ، لأجل قتل الحسين : لم يأمر الله ولا رسوله ، باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتما ، فكيف ممن هو دونهم    .
الدليل السابع : أن عمل المولد غالبا ما يرافقه بدع ومحرمات ، كالغناء ، وآلات الطرب المهيجة لطرب النفوس ، واختلاط النساء بالرجال ، وظهور العورات ، والنظر المحرم بينهم . وبالغ بعضهم فقال : إن غالب هذه الإحتفالات لاتخلو من شرب المسكرات والمخدرات ، وقد يقع فيها الشرك الأكبر ، بالغلو في رسول الله   ، أو غيره من الأولياء ، ودعائه والإستغاثة به ، وطلب المدد منه ، واعتقاد أنه يعلم الغيب ، وغير ذلك من الأمور الكفرية ، التي يتعاطاها الكثير من الناس ، حين احتفالهم بمولد الرسول   ، وغيره من الأولياء .
ومن العجائب والغرائب ، أن الكثير من الناس ينشط ويجتهد في حضور هذه الإحتفالات ، ويدافع عنها ، ويتخلف عما أوجب الله تعالى عليه من حضور الجمع والجماعات ، ولايرفع بذلك رأسا ، ولا يرى أنه أتى منكرا عظيما . أو أن يظن بعضهم ، أن رسول الله   يحضر المولد ، ولهذا يقومون له محيين ومرحبين ، وهذا من أعظم الباطل ، وأقبح الجهل ، لأنه  لايخرج من قبره قبل يوم القيامة ، ولايتصل بأحد من الناس ، ولايحضر اجتماعاتهم ، بل هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة ، وروحه في أعلى عليين ، عند ربه في دار الكرامة ، وهذا أمر مجمع عليه بين علماء المسلمين ، ليس فيه نزاع بينهم   .
والجواب : أن ما ذكر ، ليس فيه ذم للمولد ، بل ذم لبعض ما قد يقع من بعض العوام من محرمات أو منكرات ، فهذه المحرمات شيء ، والمولد شيء آخر ، ولابد من القول : بأن البحث عن حكم شيء يجب أن ينصب عليه ، لاعلى ما قد يرافقه في بعض الأحيان ، وهو ما يسميه الفقهاء : بالوصف غير اللازم للحكم ، وهذا مماثل لما ذكره العلماء ، عن حكم البيع وقت النداء للجمعة ، فإن كثيرا منهم قال : البيع صحيح ، وفاعله آثم     وهو ما يسمى بالمحرم لغيره ، فهو مباح بأصله ، لكن رافقه وصف محرم فحرم لأجله ، ولو تخلف هذا الوصف لعاد مباحا .
فلو خلا احتفال المولد عن هذه المنكرات ، فلا مانع منه ، لأن الحرمة ليست أصلية فيه ، بل عارضة عليه .
ومن الجدير بالذكر ، وجوب التركيز على وجود فرق بين الإسلام والمسلم ، أو بين الحكم الشرعي ، والمكلف ، فالإسلام أحكام شرعية حقة ، ثابتة وواضحة ، أما المسلم ، فقد يلتزم بتلك الأحكام ، فيكون فعله مشروعا ، وقد يخالف تلك الأحكام ، فيكون فعله هو خصوصا غير مشروع ، أما أصل الفعل وحكمه فلايتغيران .
فإذا ثبت أن احتفال المولد النبوي مشروع في الأصل ، فهذا حكم شرعي نابع من الإسلام ، لاغبار عليه ، أما المسلم المحتفل بالمولد ، فقد يلتزم في احتفاله بما أقره الشرع ، فيكون المولد الذي عمله هو ، أو حضره ، مباح ، وأما أن يخالف ذلك المسلم شرع الله ، بارتكابه بعض المحرمات ، فلا يقال : إن المولد محرم ، لأن المسلم خالف شرع الله ، بل يقال : إن المولد مباح ومرتكب المحظور آثم . ولو أننا ألغينا كل فعل مشروع في الأصل ، بسبب أخطاء ، أو آثام يرتكبها بعض المسلمين ، لساغ لنا أن نقول : إن الصلاة حرام ، لأن كثيرا من المسلمين لايؤدونها على الوجه الصحيح ، وبعضهم يرائي فيها ، وبعضهم يأتي المسجد لينظر إلى النساء المصليات ، وكذا الحج وباقي العبادات . وهذا مالايقبله مسلم عاقل . بل يقال : إن الصلاة والحج في الأصل مشروعان ، وأما المسلم العاصي ، فهو آثم لوحده ، بسبب ارتكابه المعاصي ، وليس بسبب صلاته أو حجه ، وعلى المسلمين منعه من معصيته ، بالنصح أو بوسائل تغيير المنكر المعروفة .
المطلب الثاني : أدلة المجيزين للإحتفال بالمولد
كل ما تقدم من مناقشة لأدلة المنكرين ، مبني على فرض عدم وجود أدلة شرعية ، تثبت أصل المولد ومشروعيته في دين الإسلام ، لكن لابد من القول : بأن ذلك مجرد افتراض ، على سبيل التنزل ، وإلا فالأدلة وافرة في إثبات أصل لهذا الإحتفال ، وهي متنوعة نجملها فيما يأتي :
  الدليل الأول : قوله تعالى : ( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)   .
وجه الدلالة : قوله (وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ) . وقد ذكر المفسرون لمعنى الرحمة هنا معاني عدة منها : القرآن ، أوأن جعلنا الله من أهل القرآن ، أو تزيين الإسلام في القلوب ،أو الجنة ، أو السنن   .
إلا أن بعضهم حمل الآية على عمومها ، قال ابن جزيء الكلبي  : والفضل والرحمة عموم   . فهي بعمومها تشمل كل ما سماه الله تعالى رحمة ، ومن جملة ذلك : رسول الله  ، قال تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)   .
وقد صرح بهذا المعنى ابن عباس فيما رواه عنه السيوطي ، قال : أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في الآية قال : فضل الله : العلم ، ورحمته : محمد  ، قال الله تعالى :( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)     .
ومن مظاهر الفرح برسول الله   ، الإحتفال بموعد مجيئه إلى الدنيا رحمة لأهلها وللمؤمنين به . قال تعالى : ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ)   .
الدليل الثاني: صحّ عن أبي قتادة الأنصاري : أن رسول الله سئل عن صوم يوم الإثنين فقال :(ذاك يوم ولدت فيه ، ويوم بعثت أو أنزل علي فيه)   
وقد مرّ ذكر هذا الحديث الشريف ، وواضح فيه أن رسول الله  ، شرع فيه الصيام ، كنوع من أنواع الشكر لله تعالى على مولده وبعثته للبشرية ، أو نزول القرآن الكريم عليه ، فمن استطاع الصيام فيه ، فقد أتى بالسنة ، وشكر الله تعالى بعين ما فعله رسوله الكريم  ، ومن لم يصم ، استعاض عن ذلك بإطعام الطعام ، أو الإجتماع على ذكر الله والصلاة على رسوله، أو قراءة القرآن الكريم أوسيرة الرسول   ، وعمل ما شابه من الأعمال الصالحة ، إظهارا للفرح ، واحتفالا بمولد سيد البشر .
ولايقال : لايجوز أن يفعل غير الصيام . فإن رسول الله   لما صام ذلك اليوم ، فإن فعله لايدل إلا على جواز فعل الصوم ، لكنه لم ينص على منع ما سوى الصيام . ونستطيع أن نلمح في أحكام الشريعة الإسلامية ، أن الله تعالى أقام الإطعام مقام الصيام ، لمن لم يؤده في رمضان ، لمرض أو سفر ، وكذا الإعتاق . فإذا قام الإطعام والإعتاق مقام صيام رمضان ، لمن لم يقدر عليه ، فلا داعي لحصر الإحتفال بالصيام فقط ، فأبواب الشكر لله تعالى أوسع من أن تضيق بدون دليل . والله تعالى أعلم .
الدليل الثالث : عن ابن عباس قال : لما قدم النبي  المدينة ، وجد اليهود يصومون عاشوراء ، فسئلوا عن ذلك ، فقالوا : هذا اليوم الذي أظفر الله فيه موسى وبني إسرائيل ، على فرعون ، ونحن نصومه تعظيما له . فقال رسول الله  : نحن أولى بموسى منكم . ثم أمر بصومه   .
وواضح من قول اليهود : أنهم يصومون هذا اليوم تعظيما له ، ومن أمره   بصيامه ، أنه أقر تعظيم هذا اليوم ، وأوجب صيامه ، وعده عيدا آخر من أعياد المسلمين .
ولعل في ذلك ردا على من يدعي أن أعياد المسلمين محصورة بعيدي الفطر والأضحى ويوم الجمعة ، قال أبوالدرداء رضي الله عنه  : التمسوا الخير دهركم كله ، وتعرضوا لنفحات رحمة الله ، فإن لله نفحات من رحمته ، يصيب بها من يشاء من عباده ، واسألوا الله أن يستر عوراتكم ، ويؤمن روعاتكم   .
بل روى أنس بن مالك أن رسول الله  قال : افعلوا الخير دهركم ، وتعرضوا لنفحات رحمة الله ، فإن لله نفحات من رحمته ، يصيب بها من يشاء من عباده ...   . وفي رواية : إن لربكم ، في أيام دهركم نفحات ، فتعرضوا له ، لعله أن يصيبكم نفحة منها ، فلا تشقون بعدها أبدا   .
قال المناوي :ومقصود الحديث أن لله فيوضا ومواهب تبدو لوامعها من فتحات أبواب خزائن الكرم والمنن في بعض أوقات ... ووقت النفحة غير معلوم بل مبهم في الأزمنة والساعات وإنما غيب علمه لتدوام على الطلب بالسؤال المتداول كما في ليلة القدر وساعة الجمعة فقصد أن يكونوا متعرضين له في كل وقت قياما وقعودا وعلى جنوبهم وفي وقت التصرف في أشغال الدنيا فإنه إذا داوم أوشك أن يوافق الوقت الذي يفتح فيه ... فيسعد بسعادة الأبد   .
ولعل يوم المولد فيه هذا المعنى ، فليس عبثا أن يختار الله تعالى هذا الزمان ، ليخلق فيه الرحمة المهداة ، ويرسلها لتعم الدنيا ، وجميع المخلوقات ، فلعل التعرض من العبد لهذا الوقت ، وذاك الزمان ، يعرضه لنفحة من رحمات رب العباد ، فيسعد بها السعادة الكبرى .
الدليل الرابع : عن أنس :(أن النبي  عقّ عن نفسه بعدما بعث نبيا )
قال صاحب الأحاديث المختارة : إسناده صحيح ، وله طرق متعددة ، ذكرها ابن حجر ، وقال عن أحدها : قوي الإسناد . وقال العراقي : له طريق لابأس بها . وهذه الطريق اعترض عليها ، لأن فيها عبدالله بن المثنى ، قال ابن حجر : فلولا ما في عبدالله بن المثنى من المقال ، لكان هذا الحديث صحيحا ، لكن ذكره ابن حبان في الثقات وقال : ربما أخطأ ، ووثقه العجلي والترمذي . فالرجل ليس مجمعا على ضعفه     .
قال السيوطي : وقد ظهر لي مشروعية الإحتفال بالمولد ، بناء على هذا الحديث ، فقد عقّ  عن نفسه بعد النبوة ، مع أنه قد ورد أن جده عبدالمطلب عقّ عنه في سابع ولادته   ، والعقيقة لاتعاد مرة ثانية ، فيحمل ذلك على ، أن الذي فعله النبي  ، إظهار للشكر على إيجاد الله إياه رحمة للعالمين ، وتشريع لأمته ، كما كان يصلي على نفسه ، لذلك فيستحب لنا إظهار الشكر بمولده ، بالاجتماع ، وإطعام الطعام ، ونحو ذلك من وجوه القربات ، وإظهار المسرات   .
الدليل الخامس : روى البخاري أن عروة قال : وثويبة مولاة لأبي لهب ، كان أبو لهب أعتقها ، فأرضعت النبي  ، فلما مات أبو لهب ، أريه بعض أهله بشر حيبة   ، قال له : ماذا لقيت ؟ قال أبو لهب : لم ألق بعدكم ، غير أني سقيت في هذه بعتاقتي ثويبة   .
وفي رواية أخرى ، قال عروة : قال أبو لهب : لم ألق أو أجد بعدكم رخاء ، غير أني سقيت في هذه مني ، لعتقي ثويبة ، وأشار إلى النقرة التي تلي الإبهام ، والتي تليها    .
وقال ابن حجر : ذكر السهيلي أن العباس قال لما مات أبو لهب : رأيته في منامي بعد حول ، في شر حال ، فقال : مالقيت بعدكم راحة ، إلا أن العذاب يخفف عني كل يوم اثنين ، قال : وذلك أن النبي   ولد يوم الإثنين ، وكانت ثويبة بشرت أبا لهب بمولده فأعتقها   .
فهذا أبولهب مخلد في النار ، كافر بالله ورسوله   ومع ذلك يخفف عنه العذاب ، لسروره بمولد رسول الله   ، وعتقه بهذه المناسبة جاريته ثويبة . فكيف بمن يسر بمولد المصطفى  وهو مؤمن به ؟ فهذا من باب أولى أن يكتب له القبول ، وتناله الرحمة في الدنيا والآخرة .
وقد قال الحافظ شمس الدين محمد بن ناصر الدين الدمشقي ، حافظ الشام ، في كتابه ( مورد الصادي في مولد الهادي ) : فقد صح أن أبا لهب يخفف عنه عذاب النار في مثل يوم الإثنين ، لإعتاقه ثويبة ، سرورا بميلاد النبي   ، ثم أنشد :  
إذا كان هذا كافرا جاء ذمه       00000          وتبت يداه في الجحيم مخلدا
أتى أنه في يوم الاثنين دائما      00000          يخفف عنه للسرور بأحمدا
فماالظن بالعبد الذي كان عمره   00000        بأحمد مسرورا ومات موحدا
الدليل السادس : تقدم في بداية البحث ، أن أول من أحدث الإحتفال بالمولد ، على الشكل المتعارف عليه اليوم ، هو عمر بن محمد الملاء ، المتوفى سنة 571هـ  في الموصل ، وبعده الملك المظفر ملك أربيل ، المتوفى سنة 630هـ . وأن أول من أنكر هذه الإحتفالات ، الإمام تاج الدين عمر بن علي اللخمي المشهور بالفاكهاني ، المولود سنة 654هـ أو 656هـ ، والمتوفى سنة 734هـ ، وجاء بعده الإمام ابن تيمية الحراني ، المولود سنة 661هـ ، والمتوفى سنة 728هـ   .
وقد ذكرنا في أوائل هذا البحث ، أن الملك المظفر ، كان يجمع أهل العلم والفقه والعبادة ، لهذه الإحتفالات ، دون نكير من أحد منهم أو من غيرهم ، وبقي الحال هكذا ، مع شهرته ومعرفة الجميع به ، وألأخبار التي أوردناها في كيفية هذه الإحتفالات ، دالة على ذلك ، ومثل هذه الحال يمكن أن يقال : إن فيها حصول إجماع أو اتفاق على مشروعية ذلك ، مع مضي مايزيد على قرن من الزمان ، دون نكير ، إلى أن حصل الإنكار من هذين الإمامين .
فهل يصح في مثل هذه الحالة ، أن يرفض حكم استقر عليه علماء عصر من العصور ؟ ولعل جميعهم أو أكثرهم مات قبل أن يظهر من ينكر عليهم مافعلوا .
أقول : أليس مثل هذا الإنكار يعد خرقا للإجماع ، ومخالفة غير سائغة له ، بعد أن استقر وثبت ؟ .
فلو نظرنا إلى سنة وفاة الإمام الفاكهاني ، وسنة وفاة الشيخ عمر بن محمد الملاء ، لتبين أن بينهما مالايقل عن 163سنة ، وما بين الفاكهاني وبين الملك المظفر في الوفاة ، مالايقل عن 104 سنة . هذا إذا قلنا : إن أول من أنكر الإحتفال هو الشيخ الفاكهاني ، لأن سنة ولادته متقدمة على سنة ولادة الشيخ ابن تيمية .
أما لو اعتبرنا سنة الوفاة ، فسيكون ابن تيمية هو أول المنكرين ، وما بين وفاته ووفاة الشيخ عمر الملاء ما لايقل عن 157 سنة ، وبين وفاة ابن تيمية ووفاة الملك المظفر ما لايقل عن 98 سنة .
وهذ يعني : أن أول من أنكر ، إنما أنكر على إجماع حصل ، وحكم ثبت ، لأن الجمهور من علماء المسلمين يرون ، انعقاد الإجماع دون اشتراط انقراض عصر المجمعين ، وحتى على رأي من اشترط الإنقراض ، فإن هذا الشرط متحقق هنا ، لوجود فارق بين الطرفين يصل إلى قرن أو أكثر من الزمان .
ومعلوم أن الإجماع حجة قطعية ملزمة للمسلمين ، لاتجوز معها المخالفة أو النقض  . وأقل ما يقال عن مخالفة الإجماع أو نقضه : إنه معصية   .
وبعد ما تقدم ، فالراجح بإذن الله تعالى ، قول من أجاز أو استحسن هذه الإحتفالات ، ولايسعنا أن نقول ، إلا بمثل ما قالت طائفة من أعلام العلماء ، ومحققيهم ، وفضلائهم . وأسوق الآن بعض أقوالهم ، تأييدا لما ذهبنا إليه وما رجحناه :
1.        قال الإمام أبو شامة شيخ النووي : فالبدع الحسنة متفق على جواز فعلها ، والإستحباب لها ، ورجاء الثواب لمن حسنت نيته فيها، وهي كل مبتدع موافق لقواعد الشريعة ، غير مخالف لشيء منها، ولا يلزم من فعله محذور شرعي ، وذلك نحو بناء المنابر والربط والمدارس وخانات السبيل ، وغير ذلك من أنواع البر التي لم تعد في الصدر الأول ، فإنه موافق لما جاءت به الشريعة ، من اصطناع المعروف ، والمعاونة على البر والتقوى ، ومن أحسن ما ابتدع في زماننا من هذا القبيل ،  ما كان يفعل بمدينة اربل جبرها الله تعالى ، كل عام في اليوم الموافق ليوم مولد النبي  ، من الصدقات والمعروف واظهار الزينة والسرور، فان ذلك مع ما فيه من الإحسان الى الفقراء ، مشعر بمحبة النبي  ، وتعظيمه وجلالته في قلب فاعله ، وشكرا لله تعالى على ما من به ، من إيجاد رسوله ، الذي أرسله رحمة للعالمين ،  وعلى جميع المرسلين   .
2.        قال السخاوي إن عمل المولد حدث بعد القرون الثلاثة ثم لا زال أهل الإسلام من سائر الأقطار والمدن الكبار يعملون المولد ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات ويعتنون بقراءة مولده الكريم ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم  
3.        وقال ابن الجوزي من خواصه أنه أمان في ذلك العام وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام   .
4.        وسئل ابن حجر العسقلاني عن عمل المولد فأجاب : أصل عمل المولد بدعة ، لم تنقل عن أحد من السلف الصالح ، من القرون الثلاثة ، ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدها ، فمن تحرى في عملها المحاسن ، وتجنب ضدها ، كان بدعة حسنة ، وإلا فلا ، وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت ، وهو ما ثبت في الصحيحين ، من أن النبي  قدم المدينة ، فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء ، فسألهم فقالوا : هو يوم أغرق الله فيه فرعون ، ونجى موسى ، فنحن نصومه شكرا لله تعالى . فيستفاد منه فعل الشكر لله ، على ما من به ، في يوم معين ، من إسداء نعمة أو دفع نقمة ، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة ، والشكر لله يحصل بأنواع العبادة ، كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة ، وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي ، نبي الرحمة في ذلك اليوم ...   .
وفي الختام أقول : على فرض أن كل ما قدمناه غير صحيح ، ولا دليل يدل على صحة هذه الإحتفالات ، وأنها مبتدعة محرمة ، تهدي إلى الضلال . فقد ثبت في سنة رسول الله  ، أن الفعل قد يكون منهيا عنه ، ومحرما ، لكن حكمه يتغير ، لظرف طاريء ، أو في حال خاص ، كما قرر العلماء قاعدة تقضي : بأنه قد تتغير الأحكام بتغير الزمان ، أو الظروف المحيطة بالحكم ، أو الفعل المراد معرفة حكمه .
فقد روي أن أبا دجانة  ، شد رأسه يوم أحد بعصابة حمراء ، فنظر إليه رسول الله  ، وهو مختال في مشيته بين الصفين ، فقال : إنها مشية يبغضها الله ، إلا في هذا الموضع   .
ويعضده حديث : ( وإن من الخيلاء ما يحب الله ، ومنها ما يبغض الله ... والخيلاء التي يحب الله ، فاختيال الرجل بنفسه عند القتال ...   .
قال ابن عربي : الخضوع واجب في كل حال ، إلى الله تعالى باطنا وظاهرا ، فإذا اتفق أن يقام العبد في موطن ، الأولى فيه ظهور عزة الإيمان وجبروته وعظمته ، لعز المؤمن وعظمته وجبروته ، ويظهر في المؤمن من الأنفة والجبروت ، ما يناقض الخضوع والذلة ، فالأولى إظهار ما يقتضيه ذلك الموطن ، قال تعالى : ( وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ )   ، وقال:( وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ )   . فهذا من باب إظهار عزة الإيمان ، بعزة المؤمن ، وفي الحديث ( إن التبختر مشية يبغضها الله إلا بين الصفين) فإذا علمت أن للمواطن أحكاما ، فافعل بمقتضاها تكن حكيما   .
وجه الدلالة : أن رسول الله  ، شأنه شأن من سبقه من الأنبياء ، كان ومازال ،  له أعداء كثيرون ، يناصبونه العداء ، وكلنا رآى وسمع ما يصنعه اليوم بعض أعدائه ، من رسوم مسيئة لشخصه ودينه ، ولاأظن أن فاعليها قصدهم النيل منه شخصيا ، فهم أبعد ما يكونون عن نيل ذلك، لكن مقصدهم ومبتغاهم ، أن يعرفوا أمازال في أمته من يعتز به ، ويدافع عنه ، ويغضب لحرمته . ولعل أسهل طريق اليوم ، لنُري أعداءه مكانته في قلوبنا ، وقدر محبتنا له ، ومدى تمسكنا بنهجه ، أن نكثر من احتفالنا بمولده الكريم ، حتى وإن كان هذا الإحتفال بدعة ، لم يسبقنا إليه سلفنا الصالح ، فيكون من باب : ( هذه مشية يبغضها الله إلا في هذا الموضع ) . فليكن المولد بدعة ، يبغضه الله إلا في هذا الموضع ، أي إذا أريد به الرد على كل مسيء لرسولنا الكريم  ، إعلاء لقدره ، وإظهارا لإيماننا وتمسكنا به ، وحبنا له ، على أن لانقتصر على ذلك فقط ، بل يجب أن نضم إليه تمسكنا بمنهجه ، وتطبيقنا لسنته ، على الوجه الذي أمر به . والله تعالى أعلم .












الخاتمــــة
بعد هذه الجولة في ثنايا هذا الموضوع ، واستعراض أدلة الخصوم فيه ، أود أن أسجل أهم النتائج التي وصلت إليها فيه وهي :
1.        للإحتفال بالمولد مظهران : قديم ومحدث ، فأما القديم : فهو إقامة العبادات التي فيها شكر الله تعالى ، على النعمة ببروز هذا الرسول الكريم ، رحمة للعالمين ، بصيام يوم هذه المناسبة ، أو إطعام الطعام فيها ، أو الإجتماع على ذكر الله عزوجل ، والصلاة على رسوله ، وتلاوة مولده ، وتذكير الناس بمكانته ، مستندين في ذلك إلى فعله   في يوم الإثنين من كل إسبوع .
أما المحدث : فهو ما دخل بعض تلك الإحتفالات في بعض بلاد المسلمين، وليس كلها ، من أمور فيها مخالفات شرعية ، كالإختلاط والغناء وما شابه ، ولاشك أن الحلال بيّن ، والحرام بيّن ، في الفرق بين هذه الإحتفالات ، وإن كان الحرام ليس في أصل الإحتفال ، وإنما في بعض ما رافق تلك الإحتفالات ، فلا يقال : إن الإحتفال محرم ، لأنه رافقته هذه المخالفات ، وإنما الإحتفال جائز أو مستحسن ، والمخالفة محرمة .
2.        الإحتفالات المعروفة بشكلها الحالي ، لم تكن موجودة في زمن النبي   ، أو صحابته الكرام ، وإنما ظهر ذلك في الثلث الأخير من القرن السادس الهجري ، وبدايات القرن السابع ، على يد الملك المظفر ـ أحد ملوك أربيل في شمال العراق ـ وكان يقتدي في ذلك ، بأحد شيوخ الموصل وصالحيها ، وهو معين الدين عمر بن محمد الملاء .
3.        بدء هذه الإحتفالات لاقى قبولا واستحسانا لدى علماء تلك العصور ، وموافقة لم يظهر لها نكير من أحد منهم ، فكان ذلك إجماعا على صحة الأمر ومشروعيته ، وأول من حدث منه الإنكار أو الإعتراض ، هو الشيخ الفاكهاني ، من متأخري المالكية ، وتابعه الإمام ابن تيمية في ذلك، وكلاهما محجوج بالإجماع المنعقد قبله ، لمرور قرن أو قرن ونصف قبلهما ، دون نكير من أحد أو اعتراض على ما جرى .
4.        الأرجح في تحديد يوم المولد ، إن كان لابد من تحديده ، هو يوم الثامن من ربيع الأول من العام 571م ، وإلا ففي السنة الصحيحة إشارة إلى عدم القدرة على تحديد ذلك اليوم بالضبط ، ولذلك صام رسول الله   يوم الإثنين ، (وهو يوم المولد)، من كل إسبوع ، وفي ذلك إشارة إلى إمكانية الإحتفال بهذه المناسبة ، طيلة أيام السنة ، في كل إثنين من أيامها ، وعدم اشتراط وقوع ذلك ، في شهر ربيع الأول ، وإن كانت توجد علامات ترجح كونه في ذلك الشهر .
5.        البدعة التي تكون ضلالة ، إنما هي في المسائل الإعتقادية ، سواء نهى عنها الله ورسوله ، أو لم ينهيا عنها ، أما المحدثات في غير العقائد ، كمسائل الفروع الفقهية ، فلاتكون ضلالة ، إلا إذا ورد النص بالنهي عنها ، أما إن سكت الشارع عنها ، فلم يأمر بها ، ولم ينه عنها ، وكان في إحداثها جلب خير أو مصلحة للمسلمين ، فلا تسمى بدعة ، ضلالة ، ولاتؤدي بصاحبها إلى النار ، ولنا في صحابة رسول الله   في ذلك أسوة حسنة  .     
                                      الباحث





المصـــادر
أولا : كتب التفسير
1.        أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، تأليف: محمد الأمين بن محمد بن المختار الجكني الشنقيطي. ، دار النشر: دار الفكر للطباعة والنشر.  - بيروت. - 1415هـ - 1995م. ، تحقيق: مكتب البحوث والدراسات.
2.        التسهيل لعلوم التنزيل، تأليف: محمد بن أحمد بن محمد الغرناطي الكلبي، دار النشر: دار الكتاب العربي - لبنان - 1403هـ- 1983م، الطبعة: الرابعة .
3.        تفسير البغوي، تأليف: البغوي، دار النشر: دار المعرفة - بيروت، تحقيق: خالد عبد الرحمن العك .
4.        التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب، تأليف: فخر الدين محمد بن عمر التميمي الرازي الشافعي، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت - 1421هـ - 2000م، الطبعة: الأولى .
5.        جامع البيان عن تأويل آي القرآن، تأليف: محمد بن جرير بن يزيد بن خالد الطبري أبو جعفر، دار النشر: دار الفكر - بيروت – 1405.
6.        الجامع لأحكام القرآن، تأليف: أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، دار النشر: دار الشعب – القاهرة .
7.        الدر المنثور، تأليف: عبد الرحمن بن الكمال جلال الدين السيوطي، دار النشر: دار الفكر - بيروت – 1993.
8.        زاد المسير في علم التفسير، تأليف: عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي، دار النشر: المكتب الإسلامي - بيروت - 1404، الطبعة: الثالثة.
ثانيا : كتب الحديث وشروحه :
1.        الأحاديث المختارة، تأليف: أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أحمد الحنبلي المقدسي، دار النشر: مكتبة النهضة الحديثة - مكة المكرمة - 1410، الطبعة: الأولى، تحقيق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش .
2.        الأوائل لابن أبي عاصم، تأليف: أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الشيباني أبو بكر، دار النشر: دار الخلفاء للكتاب الإسلامي - الكويت، تحقيق: محمد بن ناصر العجمي .
3.        الأوائل للطبراني، تأليف: سليمان بن أحمد الطبراني أبو القاسم، دار النشر: مؤسسة الرسالة , دار الفرقان - بيروت - 1403، الطبعة: الأولى، تحقيق: محمد شكور بن محمود الحاجي أمرير .
4.        التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، تأليف: أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري، دار النشر: وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية - المغرب - 1387، تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي ,‏محمد عبد الكبير البكري .
5.        الجامع الصحيح المختصر، تأليف: محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي، دار النشر: دار ابن كثير , اليمامة - بيروت - 1407 - 1987، الطبعة: الثالثة، تحقيق: د. مصطفى ديب البغا .
6.        جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم، تأليف: زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين البغدادي، دار النشر: مؤسسة الرسالة - بيروت - 1417هـ - 1997م، الطبعة: السابعة، تحقيق: شعيب الأرناؤوط / إبراهيم باجس .
7.        الجمع بين الصحيحين البخاري ومسلم، تأليف: محمد بن فتوح الحميدي، دار النشر: دار ابن حزم - لبنان/ بيروت - 1423هـ - 2002م، الطبعة: الثانية، تحقيق: د. علي حسين البواب .
8.        سنن ابن ماجه، تأليف: محمد بن يزيد أبو عبدالله القزويني، دار النشر: دار الفكر - بيروت -  -، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي .
9.        سنن أبي داود، تأليف: سليمان بن الأشعث أبو داود السجستاني الأزدي، دار النشر: دار الفكر -  -، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد .
10.        سنن البيهقي الكبرى، تأليف: أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو بكر البيهقي، دار النشر: مكتبة دار الباز - مكة المكرمة - 1414 - 1994، تحقيق: محمد عبد القادر عطا .
11.        سنن الترمذي، تأليف: محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي السلمي، دار النشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت -  -، تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرون .
12.        سنن الدارمي، تأليف: عبدالله بن عبدالرحمن أبو محمد الدارمي، دار النشر: دار الكتاب العربي - بيروت - 1407، الطبعة: الأولى، تحقيق: فواز أحمد زمرلي , خالد السبع العلمي .
13.        شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك، تأليف: محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت - 1411، الطبعة: الأولى .
14.        شرح السنة، تأليف: الحسين بن مسعود البغوي، دار النشر: المكتب الإسلامي - دمشق _ بيروت - 1403هـ - 1983م، الطبعة: الثانية، تحقيق: شعيب الأرناؤوط - محمد زهير الشاويش .
15.        صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، تأليف: محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي، دار النشر: مؤسسة الرسالة - بيروت - 1414 - 1993، الطبعة: الثانية، تحقيق: شعيب الأرنؤوط .
16.        شرح النووي على صحيح مسلم ، تأليف: أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي، دار النشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت - 1392، الطبعة: الطبعة الثانية .
17.        صحيح مسلم، تأليف: مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري، دار النشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي .
18.        طرح التثريب في شرح التقريب ، تأليف: زين الدين أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسيني العراقي ، دار النشر: دار الكتب العلمية  - بيروت  - 2000م ، الطبعة: الأولى ، تحقيق: عبد القادر محمد علي
19.        عمدة القاري شرح صحيح البخاري، تأليف: بدر الدين محمود بن أحمد العيني، دار النشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت .
20.        عون المعبود شرح سنن أبي داود، تأليف: محمد شمس الحق العظيم آبادي، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت - 1995م، الطبعة: الثانية .
21.        فتح الباري شرح صحيح البخاري، تأليف: أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، دار النشر: دار المعرفة - بيروت، تحقيق: محب الدين الخطيب .
22.        فيض القدير شرح الجامع الصغير، تأليف: عبد الرؤوف المناوي، دار النشر: المكتبة التجارية الكبرى - مصر - 1356هـ، الطبعة: الأولى .
23.        الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار، تأليف: أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي، دار النشر: مكتبة الرشد - الرياض - 1409، الطبعة: الأولى، تحقيق: كمال يوسف الحوت .
24.        كشف المشكل من حديث الصحيحين، تأليف: أبو الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي، دار النشر: دار الوطن  - الرياض - 1418هـ - 1997م. ، تحقيق: علي حسين البواب .
25.        المجتبى من السنن، تأليف: أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي، دار النشر: مكتب المطبوعات الإسلامية - حلب - 1406 - 1986، الطبعة: الثانية، تحقيق: عبدالفتاح أبو غدة .
26.        مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، تأليف: علي بن أبي بكر الهيثمي، دار النشر: دار الريان للتراث/‏دار الكتاب العربي - القاهرة , بيروت – 1407 .
27.        المستدرك على الصحيحين، تأليف: محمد بن عبدالله أبو عبدالله الحاكم النيسابوري، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت - 1411هـ - 1990م، الطبعة: الأولى، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا .
28.        مسند أبي عوانة، تأليف: الإمام أبي عوانة يعقوب بن إسحاق الاسفرائني، دار النشر: دار المعرفة – بيروت .
29.        مسند الإمام أحمد بن حنبل، تأليف: أحمد بن حنبل أبو عبدالله الشيباني، دار النشر: مؤسسة قرطبة – مصر .
30.        مسند الشاميين، تأليف: سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم الطبراني، دار النشر: مؤسسة الرسالة - بيروت - 1405 - 1984، الطبعة: الأولى، تحقيق: حمدي بن عبدالمجيد السلفي .
31.        مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه، تأليف: أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل الكناني، دار النشر: دار العربية - بيروت - 1403، الطبعة: الثانية، تحقيق: محمد المنتقى الكشناوي .
32.        المصنف، تأليف: أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني، دار النشر: المكتب الإسلامي - بيروت - 1403، الطبعة: الثانية، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي .
33.        المعجم الأوسط، تأليف: أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، دار النشر: دار الحرمين - القاهرة - 1415، تحقيق: طارق بن عوض الله بن محمد ,‏عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني .
34.        المعجم الكبير، تأليف: سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم الطبراني، دار النشر: مكتبة الزهراء - الموصل - 1404 - 1983، الطبعة: الثانية، تحقيق: حمدي بن عبدالمجيد السلفي .
35.        معرفة السنن والآثار عن الامام أبي عبد الله محمد بن أدريس الشافعي ، تأليف: الحافظ الامام أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو أحمد. البيهقي. الخسروجردي ، دار النشر: دار الكتب العلمية  - لبنان/ بيروت  - بدون ، الطبعة: بدون ، تحقيق: سيد كسروي حسن .
36.        المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة، تأليف: أبو الخير محمد بن عبد الرحمن بن محمد السخاوي، دار النشر: دار الكتاب العربي - بيروت - 1405 هـ - 1985م، الطبعة: الأولى، تحقيق: محمد عثمان الخشت .
37.        نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار، تأليف: محمد بن علي بن محمد الشوكاني، دار النشر: دار الجيل - بيروت – 1973 .
ثالثا : كتب العقائد :
1.        اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم، تأليف: أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس، دار النشر: مطبعة السنة المحمدية - القاهرة - 1369، الطبعة: الثانية، تحقيق: محمد حامد الفقي .
2.        الباعث على إنكار البدع والحوادث، تأليف: عبد الرحمن بن إسماعيل أبو شامة، دار النشر: دار الهدى - القاهرة - 1398 - 1978، الطبعة: الأولى، تحقيق: عثمان أحمد عنبر .
3.        منهاج السنة النبوية، تأليف: أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس، دار النشر: مؤسسة قرطبة - 1406، الطبعة: الأولى، تحقيق: د. محمد رشاد سالم .
رابعا : كتب الفقه وأصوله :
10        . إعلام الموقعين عن رب العالمين، تأليف: أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي، دار النشر: دار الجيل - بيروت - 1973، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد .
11        . الإحكام في أصول الأحكام، تأليف: علي بن محمد الآمدي أبو الحسن، دار النشر: دار الكتاب العربي - بيروت - 1404، الطبعة: الأولى، تحقيق: د. سيد الجميلي .
12        . البحر الرائق شرح كنز الدقائق، تأليف: زين الدين ابن نجيم الحنفي، دار النشر: دار المعرفة - بيروت، الطبعة: الثانية
13        . المنثور في القواعد، تأليف: محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي أبو عبد الله، دار النشر: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية - الكويت - 1405، الطبعة: الثانية، تحقيق: د. تيسير فائق أحمد محمود .
14        . الوجيز في أصول الفقه : د. عبدالكريم زيدان ، مطبعة سلمان الأعظمي ـ بغداد 1387هـ .
15        . حاشية الرملي : أبو العباس أحمد الرملي الأنصاري .
16        .الأشباه والنظائر، تأليف: عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، دار النشر:     دار الكتب العلمية - بيروت - 1403، الطبعة: الأولى .
1.        التقرير والتحرير في علم الأصول، تأليف: ابن أمير الحاج. ، دار النشر: دار الفكر - بيروت - 1417هـ - 1996م .
2.        حاشية إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين لشرح قرة العين بمهمات الدين، تأليف: أبي بكر ابن السيد محمد شطا الدمياطي، دار النشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت .
3.        الحاوي للفتاوى : جلال الدين السيوطي ، دار الكتب العلمية ـ بيروت 1408هـ .
4.        حواشي الشرواني على تحفة المحتاج بشرح المنهاج، تأليف: عبد الحميد الشرواني، دار النشر: دار الفكر – بيروت .
5.        الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية، تأليف: شيخ الإسلام أبي العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني ، دار النشر: دار المعرفة - بيروت، تحقيق: قدم له حسنين محمد مخلوف .
6.        كتب ورسائل وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، تأليف: أحمد عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس، دار النشر: مكتبة ابن تيمية، الطبعة: الثانية، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي .
7.        كشاف القناع عن متن الإقناع، تأليف: منصور بن يونس بن إدريس البهوتي، دار النشر: دار الفكر - بيروت - 1402، تحقيق: هلال مصيلحي مصطفى هلال .
8.        المجموع، تأليف: النووي، دار النشر: دار الفكر - بيروت - 1997م .
9.        المحلى، تأليف: علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري أبو محمد، دار النشر: دار الآفاق الجديدة - بيروت، تحقيق: لجنة إحياء التراث العربي .
خامسا : كتب السير والتاريخ والتراجم :
1.        إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، تأليف: محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله، دار النشر: دار المعرفة - بيروت - 1395 - 1975، الطبعة: الثانية، تحقيق: محمد حامد الفقي .
2.        البدء والتاريخ، تأليف: وهو المطهر بن طاهر المقدسي، دار النشر: مكتبة الثقافة الدينية – بورسعيد .
3.        البداية والنهاية، تأليف: إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي أبو الفداء، دار النشر: مكتبة المعارف – بيروت .
4.        تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، تأليف: شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، دار النشر: دار الكتاب العربي - لبنان/ بيروت - 1407هـ - 1987م، الطبعة: الأولى، تحقيق: د. عمر عبد السلام تدمرى .
5.        تاريخ مدينة دمشق وذكر فضلها وتسمية من حلها من الأماثل، تأليف: أبي القاسم علي بن الحسن إبن هبة الله بن عبد الله الشافعي، دار النشر: دار الفكر - بيروت - 1995، تحقيق: محب الدين أبي سعيد عمر بن غرامة العمري .
6.        تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار( رحلة ابن بطوطة)، تأليف: محمد بن عبد الله بن محمد اللواتي أبو عبد الله، دار النشر: مؤسسة الرسالة - بيروت - 1405، الطبعة: الرابعة، تحقيق: د. علي المنتصر الكتاني .
7.        تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير، تأليف: جمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي، دار النشر: شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم - بيروت - 1997، الطبعة: الأولى .
8.        تنوير الحوالك شرح موطأ مالك، تأليف: عبدالرحمن بن أبي بكر أبو الفضل السيوطي، دار النشر: المكتبة التجارية الكبرى - مصر - 1389 – 1969.
9.        تهذيب التهذيب، تأليف: أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، دار النشر: دار الفكر - بيروت - 1404 - 1984، الطبعة: الأولى .
10.        الثقات، تأليف: محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي، دار النشر: دار الفكر - 1395 - 1975، الطبعة: الأولى، تحقيق: السيد شرف الدين أحمد .
11.        الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، تأليف: الحافظ شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن محمد العسقلاني، دار النشر: مجلس دائرة المعارف العثمانية - صيدر اباد/ الهند - 1392هـ/ 1972م، الطبعة: الثانية، تحقيق: مراقبة / محمد عبد المعيد ضان .
12.        دلائل النبوة، تأليف: للبيهقي مؤسسة البراق   عبد الله جربوع   .
13.        الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، تأليف: إبراهيم بن علي بن محمد بن فرحون اليعمري المالكي، دار النشر: دار الكتب العلمية – بيروت .
14.        الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية، تأليف:  شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي الدمشقي، دار النشر: مؤسسة الرسالة - بيروت - 1418هـ/ 1997م، الطبعة: الأولى، تحقيق: إبراهيم الزيبق .
15.        سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي، تأليف: عبد الملك بن حسين بن عبد الملك الشافعي العاصمي المكي، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت - 1419هـ- 1998م، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود- علي محمد معوض .
16.        السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون، تأليف: علي بن برهان الدين الحلبي، دار النشر: دار المعرفة - بيروت – 1400.
17.        شذرات الذهب في أخبار من ذهب، تأليف: عبد الحي بن أحمد بن محمد العكري الحنبلي، دار النشر: دار بن كثير  - دمشق - 1406هـ، الطبعة: ط1، تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط، محمود الأرناؤوط .
18.        صفة الصفوة، تأليف: عبد الرحمن بن علي بن محمد أبو الفرج، دار النشر: دار المعرفة - بيروت - 1399 - 1979، الطبعة: الثانية، تحقيق: محمود فاخوري - د.محمد رواس قلعه جي .
19.        طبقات الحفاظ، تأليف: عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي أبو الفضل، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت - 1403، الطبعة: الأولى .
20.        الطبقات الكبرى، تأليف: محمد بن سعد بن منيع أبو عبدالله البصري الزهري، دار النشر: دار صادر - بيروت  .
21.        المختصر الكبير في سيرة الرسول  ، تأليف: عز الدين بن جماعة الكتاني ، دار النشر: دار البشير  - عمان  - 1993م، الطبعة: الأولى ، تحقيق: سامي مكي العاني .
22.        مشاهير علماء الأمصار، تأليف: محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت -  - 1959، تحقيق: م. فلايشهمر .
23.        نفخ الطيب من غصن الأندلس الرطيب، تأليف: أحمد بن محمد المقري التلمساني، دار النشر: دار صادر - بيروت - 1388هـ، تحقيق: د. إحسان عباس .
24.        وفيات الأعيان و انباء أبناء الزمان، تأليف: أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان، دار النشر: دار الثقافة - لبنان، تحقيق: احسان عباس .
سابعا : كتب متنوعة :
1.        لسان العرب، تأليف: محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري، دار النشر: دار صادر - بيروت، الطبعة: الأولى .
2.        المدخل، تأليف: أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد العبدري الفاسي المالكي الشهير بابن الحاج، دار النشر: دار الفكر - 1401هـ - 1981م .
3.        معجم البلدان، تأليف: ياقوت بن عبد الله الحموي أبو عبد الله، دار النشر: دار الفكر – بيروت .














                                                     22/1/2010م
                                                   6 /صفر /1431هـ
回复

使用道具

匿名  发表于 2010-7-4 17:17:01
المبحث الثاني : التأصيل الشرعي لإحتفال المولد النبوي
المطلب الأول : أدلة المنكرين لمشروعية الإحتفال

يكاد المتتبع لآراء العلماء المتقدمين والمتأخرين ، أن يجزم بأن أول من ثبت عنه الإنكار ، أو الإعتراض على عمل الإحتفال بالمولد النبوي ، هو واحد من اثنين من الأئمة ، أحدهما : الإمام تاج الدين عمر بن علي اللخمي السكندري المشهور بالفاكهاني ، من متأخري المالكية ، وألف في ذلك كتابا سماه ( المورد في الكلام على  عمل المولد) .
وثانيهما : الإمام ابن تيمية الحراني ، شيخ الإسلام .
أما من كان قبلهما ، فلم أجد رواية عن أحد من العلماء تدل على استنكاره ، أو اعتراضه على ذلك .
وقد سبق أن أوردت قول السيوطي وغيره : أن الملك المظفر حين كان يعمل الإحتفال بالمولد ، كان يحضر عنده أعيان العلماء والصوفية ، دون نكير من أحدهم ، أو غيرهم في زمانهم ، على مايفعله ذلك الملك ، أومن سبقه من أهل العلم ، أو من جاء بعده من الولاة والأمراء . وتقدم أن الملك المظفر توفي سنة 630هـ .
لكن أول إشارات الاعتراض صدرت عن هذين الإمامين ، وكلاهما سابق لصاحبه في الزمن . فالفاكهاني ولد سنة 654هـ وقيل سنة 656 هـ ، وتوفي سنة 734هـ    .
وأما ابن تيمية فمولده كان سنة 661هـ ، ووفاته سنة 728هـ    .
فإذا نظرنا الى سنة الولادة ، فالفاكهاني هو أقدم من اعترض ، وإذا نظرنا إلى سنة الوفاة ، يكون ابن تيمية هو أقدم المنكرين .
وسواء أكان المتقدم هذا أو ذاك ، فالفارق بينه وبين الملك المظفر لايقل عن قرن من الزمان ، هذا إذا اعتبرنا أن الملك المظفر هو أول من فعل ذلك ، على الرغم من أن بعض الروايات التي أوردتها تفيد بوجود علماء أفاضل سبقوا الملك المظفر بزمن ، بل ذكر صاحب تفسير أضواء البيان أن هذه الإحتفالات بدأت منذ القرن الرابع الهجري كما تقدم  .
وهذا يعني أن الإجماع انعقد على مشروعية هذه الإحتفالات قبل الفاكهاني وابن تيمية بما لايقل عن ثلاثة قرون أو أكثر من الزمان .
وقد ذكرت هذا الأمر لأن له علاقة بما سأورده من أدلة تؤصل لمشروعية هذا الإحتفال فيما بعد .
وعلى كل حال ، فإن المنكرين لهذه الإحتفالات ، استدلوا على ماذهبوا إليه، بجملة أدلة ، أوردها ، ثم أتبعها بما يسر الله تعالى به من ردود عليها ، قبل أن أسرد الأدلة المؤيدة إن شاء الله تعالى . ومن تلك الأدلة مايأتي :
الدليل الأول : أن اتخاذ موسم غيرالمواسم الشرعية المعروفة ، كالعيدين، وأيام التشريق ، أمر لم يفعله السلف الصالح من هذه الأمة ، في القرون الثلاثة الأولى ، المشهود لها بالخيرية ، وما لم يفعله السلف ، لايجوز فعله . قال ابن تيمية : ( إذ الأعياد شريعة من الشرائع ، فيجب فيها الإتباع لاالإبتداع ، وللنبي خطب وعهود ، ووقائع في أيام متعددة ، مثل يوم بدر، وحنين ، والخندق ،وفتح مكة ، ووقت هجرته ، ودخوله المدينة ، وخطب له متعددة ، يذكر فيها قواعد الدين ، ثم لم يوجب ذلك أن يتخذ مثال تلك الأيام أعيادا ، وإنما يفعل مثل هذا النصارى ، الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى عليه السلام أعيادا ، أو اليهود ، وإنما العيد شريعة ، فما شرعه الله اتبع ، وإلا لم يحدث في الدين ما ليس منه   .
ولأن رسول الله  لم يفعله ، ولاخلفاؤه الراشدون ، ولاغيرهم من الصحابة ، ولاالتابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة ، وهم أعلم الناس بالسنة ، وأكمل حبا لرسول الله  ، ومتابعة لشرعه ممن بعدهم ، ففعله من البدع المحدثة في الدين ، وقد ثبت عن النبي  أنه قال : (من أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هذا ما ليس منه فَهُوَ رَدٌّ)   أي مردود عليه ، وقال في حديث آخر : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الإمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة )  .
ففي هذين الحديثين تحذير شديد من إحداث البدع ، والعمل بها ، وقد قال الله سبحانه : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) . وقال عزوجل:
( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)  .وقال سبحانه : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً)   و   .

والجواب على ذلك : أن هذا الدليل قائم على أساس أن البدعة ، التي تفضي إلى الضلالة والنار ، هي كل ما لم يفعله رسول الله  ، أو سلفنا الصالح في القرون الثلاثة الأولى ، لأن ذلك زيادة في دين الله ، ليست منه ، وما ليس من دين الله ، فهو مردود على صاحبه .
والحقيقة أن مثل هذا التعريف للبدعة أمر فيه مغالاة ، ومجانبة للصواب من عدة جوانب منها :
أ.  أن السلف الصالح ، ولاسيما الصحابة الكرام ، قد فعلوا أو قالوا أمورا ، لم يكن رسول الله قد فعلها أو قالها، ولم يستأذنوه أولا في فعلها أو الإتيان بها ، وإنما بادروا إلى فعلها ، ثم بعد ذلك علم هو بها ، أو فعلوها بعد وفاته  ، دون علمه بها .والأمثلة على ذلك كثيرة منها :
1 . سنة الوضوء التي أحدثها الصحابي الجليل بلال  ، ولم يكن قد أخبر بها رسول الله  ، ولااستأذنه فيها ، إلى أن قال له يابلال ، حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام ، فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة ، قال : ما عملت عملا أرجى عندي ، أني لم أتطهر طهورا في ساعة ليل أو نهار ، إلا صليت بذلك الطهور ، ما كتب لي أن أصلي)  .
     نعم ، قد تم الإقرار لهذه السنة ، لكن بعد أن أحدثها بلال من                    نفسه أولا . فهل يعد بلال مبتدعا ضالا ؟ حاشا لله .
2 . أخرج عبد الرزاق عن ابن المسيب ، أن رسول الله   قال : ( إن بلالا        يؤذن بليل ... فلما كان ذات ليلة ، أذن بلال ، ثم جاء يؤذن النبي  ، فقيل له : إنه نائم ، فنادى بلال :الصلاة خير من النوم . فأقرت في الصبح )   .
    وفي بعض الروايات قال الزُّهْرِيُّ : وزاد بِلَالٌ في نِدَاءِ صَلَاةِ الْغَدَاةِ الصَّلَاة
    خَيْرٌ من النَّوْمِ فَأَقَرَّهَا رسول اللَّهِ   )  .
    وفي روايةقال سعيد : فأدخلت هذه الكلمة في التأذين في صلاة الفجر  
    وفي رواية: فقال له النبي  : ما هذا الذي زدت في أذانك قال رأيت منك ثقلةفأحببت أن تنشط فقال اذهب فزده في أذانك
    وفي رواية :  ما أَحْسَنَ هذا يا بِلالُ اجْعَلْهُ في أَذَانِكَ  
    وفي رواية : فلم يكره رسول الله  وأدخله في الأذان .
    وواضح من مجموع هذه الروايات أن بلالا ابتدع وأحدث هذه العبارة ، ومع
    ذلك لم يعنفه رسول الله  ، ولم يبدعه ، ولم ينكر عليه ، ولم يمنع بلالا
     من قولها ، أن رسول الله   لم يكن قد شرعها قبل ذلك . فأين البدعة بالمعنى الذي ذكروه من هذا ؟  ومعلوم أن بلالا ليس من الخلفاء الراشدين حتى يقال : إن ذلك سنتهم التي أمرنا باتباعها .
3.  إقراره  الصحابي على ملازمة قراءة سورة الإخلاص في الصلاة دون غيرها من السور  .
      أخرج البخاري عن أَنَسِ رضي الله عنه :  كان رَجُلٌ من الْأَنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ في مَسْجِدِ قُبَاءٍ وكان كُلَّمَا افْتَتَحَ سُورَةً يَقْرَأُ بها لهم في الصَّلَاةِ مِمَّا يَقْرَأُ بِهِ افْتَتَحَ قُلْ هو الله أَحَدٌ حتى يَفْرُغَ منها ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً أُخْرَى مَعَهَا وكان يَصْنَعُ ذلك في كل رَكْعَةٍ فَكَلَّمَهُ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا إِنَّكَ تَفْتَتِحُ بِهَذِهِ السُّورَةِ ثُمَّ لَا تَرَى أنها تُجْزِئُكَ حتى تَقْرَأَ بِأُخْرَى فَإِمَّا تَقْرَأُ بها وَإِمَّا أَنْ تَدَعَهَا وَتَقْرَأَ بِأُخْرَى فقال ما أنا بِتَارِكِهَا إن أَحْبَبْتُمْ أَنْ أَؤُمَّكُمْ بِذَلِكَ فَعَلْتُ وَإِنْ كَرِهْتُمْ تَرَكْتُكُمْ وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ من أَفْضَلِهِمْ وَكَرِهُوا أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ فلما أَتَاهُمْ النبي  أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ فقال يا فُلَانُ ما يَمْنَعُكَ أَنْ تَفْعَلَ ما يَأْمُرُكَ بِهِ أَصْحَابُكَ وما يَحْمِلُكَ على لُزُومِ هذه السُّورَةِ في كل رَكْعَةٍ فقال إني أُحِبُّهَا فقال حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ  
     وعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا سمع رَجُلًا يَقْرَأُ قُلْ هو الله أَحَدٌ يُرَدِّدُهَا فلما أَصْبَحَ جاء إلى رسول اللَّهِ  فذكر ذلك له وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا فقال رسول اللَّهِ  وَالَّذِي نَفْسِي بيده إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ .وفي رواية :  أَنَّ رَجُلًا قام في زَمَنِ النبي  يَقْرَأُ من السَّحَرِ قُلْ هو الله أَحَدٌ لَا يَزِيدُ عليها فلما أَصْبَحْنَا أتى رجل النبي    نَحْوَهُ  
      وعن عَائِشَةَ أَنَّ النبي  بَعَثَ رَجُلًا على سَرِيَّةٍ وكان يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ في صلاته فَيَخْتِمُ بـ (قل هو الله أَحَدٌ ) فلما رَجَعُوا ذَكَرُوا ذلك لِلنَّبِيِّ    فقال سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذلك فَسَأَلُوهُ فقال لِأَنَّهَا صِفَةُ الرحمن وأنا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بها فقال النبي : أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ   .
     وظاهر هذه الروايات أنها في مواقف متغايرة ،لأشخاص مختلفين .
4. عن انس بن مالك قال : قال رسول الله  : يقدم عليكم غدا أقوام ، هم أرق قلوبا للإسلام منكم . قال :فقدم الأشعريون ، فيهم أبو موسى الأشعري ، فلما دنوا من المدينة ، جعلوا يرتجزون يقولون :
غدا نلقى الأحبة  **********   محمدا وحزبه
     فلما أن قدموا ، تصافحوا ، فكانوا هم أول من أحدث المصافحة . وفي رواية أخرى عن أَنَسٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  قال أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ وَهُمْ أَرَقُّ قُلُوباً مِنْكُمْ وَهُمْ أَوَّلُ من جاء بِالْمُصَافَحَةِ . ففعلوها قبل أن تشرع لهم ولم يمنعهم من فعلها أن يقال لهم : أنكم مبتدعة .
5.  عن رِفَاعَةَ بن رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ قال كنا يَوْمًا نُصَلِّي وَرَاءَ النبي    فلما رَفَعَ رَأْسَهُ من الرَّكْعَةِ قال سمع الله لِمَنْ حَمِدَهُ قال رَجُلٌ وَرَاءَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فيه فلما انْصَرَفَ قال من الْمُتَكَلِّمُ قال أنا قال رأيت بِضْعَةً وَثَلَاثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ   . وهذا دليل آخر عن الصحابة الكرام أنهم كانوا يبادرون إلى الخير دون انتظار الإذن بذلك ، ولو كانت مبادرتهم ممنوعة لبينها لهم رسول الله   ولامتنعوا من ذلك خوف البدعة المزعومة .
6.   قال البخاري : ( ويذكر أن عمرو بن العاص أجنب في ليلة باردة ، فتيمم وتلا (( وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً))   ، فذكر للنبي ، فلم يعنف    . فهذا الصحابي بادر (ابتدع ) إلى التيمم بدل الغسل من الجنابة بسبب البرد في الحضر ولم يكن مسافرا ، فعل ذلك دون أن يرجع أولا إلى النبي  . فهل يسمى ضالا ؟ حاشا لله ، بل لم يعنفه ، لاعلى فعله ذلك ، ولا على كونه ابتدعه من نفسه، دون أن يوجد فيه نص مسبق.
   
وهناك أمور أخرى فعلها الصحابة بعد وفاة رسول الله  ، لم يفعلها هو في حياته ، ولم يمنعهم من فعلها أنه لم يفعلها ، ومن ذلك :
1.        قول عمر رضي الله عنه في قيام شهر رمضان : نعم البدعة هذه . حين جمع الناس في صلاةالتراويح على قاريء واحد   .
2.        جمع المصحف زمن أبي بكر الصديق  ، فقد روى البخاري عن زيد بن ثابت أنه قال : أرسل إلي أبوبكر فقال :إن عمر أتاني فقال :  إِنَّ الْقَتْلَ قد اسْتَحَرَّ يوم الْيَمَامَةِ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ بِالْمَوَاطِنِ ، فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ من الْقُرْآنِ ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ ، قلت لِعُمَرَ: كَيْفَ تَفْعَلُ شيئا لم يَفْعَلْهُ رسول اللَّهِ  ؟  قال عُمَرُ: هذا والله خَيْرٌ ، فلم يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي حتى شَرَحَ الله صَدْرِي لِذَلِكَ ، وَرَأَيْتُ في ذلك الذي رَأَى عُمَرُ.....  فَتَتَبَّعْ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ..... قلت: كَيْفَ تَفْعَلُونَ شيئا لم يَفْعَلْهُ رسول اللَّهِ ؟ قال : هو والله خَيْرٌ ، فلم يَزَلْ أبو بَكْرٍ يُرَاجِعُنِي حتى شَرَحَ الله صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ له صَدْرَ أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما، فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ من الْعُسُبِ وَاللِّخَافِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ ... .
فانظر إلى قول أبي بكر لعمر ، وقول زيد بن ثابت لأبي بكر ( كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله ) ؟ بمعنى أنهم فعلوا أمورا لم يكن لها وجود قبل زمنهما . فهل هم مبتدعون أصحاب ضلالة؟
3.        قتال مانعي الزكاة ، فعله أبو بكر الصديق ، وليس عندنا خبر واحد يدل على أن رسول الله قاتلهم ، أو قتلهم ،  وربما كان هذا هو السبب في عدم موافقة عمر رضي الله عنه أول الأمر على قتالهم ، قال ابن تيمية : فلما توفي رسول الله   ، ارتدت العرب ، قال بعضهم : نصلي ولا نزكي ، وقال بعضهم : نزكي ولا نصلي، فأتيته ـ يقصد عمر رضي الله عنه أتى أبا بكر  ـ  لا آلوه نصحا ، فقلت : يا خليفة رسول الله ، تألف الناس وارفق بهم، فقال لي: أجبار في الجاهلية وخوار في الإسلام ... .
4.        روى ابن أبي شيبة طائفة من الروايات ، تحت عنوان ( الأوائل ) ذكر فيها أول من أحدث بعض الأفعال والسنن في الإسلام ، أذكر منها :
•        عن مجاهد قال : أول من جهر ، أو أول من أعلن التسليم في الصلاة ، عمر بن الخطاب .
•        عن ابن المسيب قال : أول من أحدث الأذان في العيدين معاوية . وعن أبي قلابة قال : أول من أحدث الأذان في العيدين ابن الزبير . ولعل هذا الإختلاف في الروايات من اختلاف المكان لكن في زمن واحد .
•        عن أبي أمامة : أول من صلى الضحى ذو الزوائد .
•        عن الحكم قال : أول من جعل للفرس سهمين ، عمر بن الخطاب ، أشار به عليه رجل من تميم .
•        عن الزهري في اليمين مع الشاهد : بدعة ، وأول من قضى بها معاوية .
•        قيل للزهري : من أول من ورث العرب من الموالي ؟ قال : عمر بن الخطاب .
•        عن الشعبي ، قال : لم يقطع النبي  ، ولاأبو بكر ، ولاعمر ، ولاعلي ، وأول من أقطع القطائع : عثمان ، وبيعت الأرضون في إمارة عثمان .
•        عن طاووس : أول من جلس على المنبر في الجمعة معاوية .
•        عن الشعبي : أول من جعل العشور عمر بن الخطاب .
•        قيل للحسن البصري : من أول من أعتق أمهات الأولاد ؟ قال : عمر .
•        عن النخعي : أول من فرض العطاء ، عمر بن الخطاب ، وفرض فيه الدية كاملة . ورواه عنه مصعب بن سعد أيضا .
•        عن الزهري : أول من قطع الرجل أبو بكر .
•        أول من حصّب المسجد عمر ( أي فرش أرضه بالحصباء ) .
•        عن محرز بن صالح : أن عليا أول من فرق ين الشهود   .  
وهنا قد يعترض على هذا : بأن جمع القرآن الكريم ، وحرب المرتدين ، وما شابه ، هما من سنة الخلفاء الراشدين ، وقد ورد النص بوجوب اتباع سنة الخلفاء الراشدين  .
والجواب :أن هناك روايات عن غير الراشدين أوردناها .
أما الروايات عن الراشدين فتوجيهها: أن السنة هي الطريقة في معناها العام، والمعنى واضح فيما لو اتفق الراشدون  على رأي واحد ، فإننا مأمورون باتباع سنتهم ، لكن كيف يكون العمل بحديث ( عليكم بسنتي ، وسنة الخلفاء المهديين الراشدين)  فيما لو اختلفت آراء الخلفاء الأربعة ؟
ولاأظن عاقلا يقول : بوجوب اتباعهم مع تناقضهم في الرأي ، لأننا سنجمع بين المتناقضات ، وهذا لايمكن ، فلا يبقى إلا أن يؤول الحديث المذكور ، على وجوب اتباع المنهج ، والطريقة العامة التي كان عليها الخلفاء الراشدون في الإستنباط ، وليس مجرد اتباع رأي خاص بواحد منهم ، في واقعة معينة ، لأننا بذلك سنحكم بعصمتهم ، وكونهم مصدرا من مصادر التشريع ، وهذا غير صحيح لأن التشريع محصور بالله ورسوله ، اللهم إلا إذا أجمعوا فيكون إجماعهم هو المصدر التشريعي ، وليس أقوالهم المتفرقة لأنها حينئذ رأي فقيه تحتاج إلى دليل .
ولو تأملنا قول أبي بكر وعمر عن جمع القرآن الكريم : (هذا والله خير، هو والله خير) لأمكن أن نفهم ، أن المنهج الذي اختطاه للأمة في كل حادثة جديدة يراد معرفة حكمها ، أنها مشروعة ما دامت لاتصطدم بنص  يمنع من فعلها أولا، وتؤدي إلى خير ومصلحة للأمة ثانيا .
ولذلك يقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى : المحدثات من الأمور ضربان ، أحدهما ماأحدث ، مما يخالف كتابا أو سنة ، أو أثرا ، أوإجماعا ، فهذه البدعة الضلالة ، والثاني ، ماأحدث من الخير ، لاخلاف فيه لواحد من هذا ، وهذه محدثة غير مذمومة )    .
والاحتفال بالمولد ، من هذا القبيل ، فهو لايصادم كتابا ولا سنة ولاإجماعا ، وفيه من الخير ما قد عرف ، كقراءة القرآن ، والصلاة على النبي  ،  وإطعام الطعام ، وما شابه من أعمال الخير . فلا أقل أن يكون من المحدثات غير المذمومة ، ولذلك يقول ابن تيمية عنه : ( هذا لم يفعله السلف ، مع قيام المقتضي وعدم المانع )   . ومعنى عدم المانع : عدم وجود ما يمنع من فعله شرعا ، فهو ليس من باب الشر ولا يخالف كتابا ولاسنة ولاإجماعا، فكيف يكون بعد ذلك ضلالة ؟   .
ب . ولو جاز القول : بأن البدعة المحرمة، هي كل ما لم يفعله السلف ، لبطل باب المصلحة المرسلة في التشريع وأصول الفقه ، بينما
َصَحَّ أَنَّ عَلِيًّا كان يُضَمِّنُ الْقَصَّارَ وَالصَّوَّاغَ وقال لاَ يُصْلِحُ الناس إِلاَّ ذلك   وهو استدلال بالمصلحة على حكم لم يفعله من سبقه .
ولبطل أيضا العرف الصحيح والإستصحاب في التشريع ، وكل ذلك ثابت في شرع الله ، لاسبيل إلى رده ، فلا يسمى الأمر الجديد بدعة ، إلا إذا خالف ما ثبت في دين الله ، وناقض النصوص المقدسة ، من قرآن أو سنة ، وهذا عين ماقال سبحانه وتعالى وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)   . فما لم يأمرنا به ، ولم ينهنا عنه ، لايدخل ضمن الآية . وكذا قوله سبحانه فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)   . فمن فعل شيئا لم ينه عنه الشارع ، لم يدخل نطاق هذه الآية . ولذلك ابتدع المسلمون التصانيف في جميع العلوم النافعة ، الشرعية وغير الشرعية ، على اختلاف فنونها ، وافترضوا المسائل التي لم تقع ، ووضعوا الحكم الشرعي لها ، وتكلموا في تفسير القرآن الكريم بالرأي المنضبط باللغة ، وصنفوا كتب السير ، والكلام على الأسانيد والمتون ، ووضعوا علم النحو والمعاني والبيان ، والأوزان ، وباقي العلوم التي تعين على معرفة أحكام الله تعالى ، ومعاني كتابه ، وسنة رسوله  ، وكل ذلك لم يرد فيه أمر خاص بجزئياته ، ولا يلزم من فعله محذور شرعي باتفاق الجميع .
أما قوله  من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد ) ، فمعناه أن من أحدث ما ليس له أصل في ديننا فهو مردود ، لأن المراد من ( أمرنا ) هو ديننا بدليل أن هذا الحديث ورد برواية أخرى هي (من أحدث في ديننا ما ليس منه...) أورده كذلك البغوي والنووي وابن تيمية وابن رجب الحنبلي وغيرهم     . قال صاحب التقرير والتحبير : يجوز أن يكون المراد بالأمر هنا دينه وشرعه كما في الحديث الصحيح ( من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد ) بدليل ما في لفظ آخر له ( من أحدث في ديننا ما ليس فيه فهو رد)     .
وقال ابن رجب الحنبلي : والمراد بأمره ههنا دينه وشرعه ... فمن كان عمله جاريا تحت أحكام الشريعة موافقا لها فهو مقبول ومن كان خارجا عن ذلك فهو مردود   .
ولاأعتقد أن الإحتفال بالمولد المبني على محبة النبي  ، ليس له أصل في الدين ، فالمحبة له واجبة ، قال  لايؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)  وإطعام الطعام من أفضل القربات ، وفي الحديث : ( أن رجلا سأل النبي  : أي الإسلام خير ؟ قال : تطعم الطعام ... ) فضلا عن تلاوة القرآن الكريم ، والصلاة على رسول الله  ،
وسيأتي في الأدلة الدالة على أصل الإحتفال ، أن رسول الله كان يحتفل بمولده بصيام يوم الإثنين .
بل حتى كثير من المدائح النبوية التي لامغالاة فيها ، ليس فيها خروج عن السنة القويمة ، فقد مدح رسول الله  من شعراء معروفين وأقر ذلك وأكرم بعضهم ، فكيف يقال بعد ذلك : إن الإحتفال بدعة مردودة ليس عليه أمرنا ؟ .
ج. ولعل سكوت النبي عن أشياء ، في كثير من الأوقات، وعدم تشريعه لها ، كان خوفا منه أن تفرض على الأمة ، فلا يقال بعد ذلك : إنها بدعة ، ضلالة . فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( إن كان رسول الله ليدع العمل ، وهو يحب أن يعمل به ، خشية أن يعمل به الناس ، فيفرض عليهم ، وما سبح رسول الله  سبحة الضحى قط ، وإني لأسبحها )    .
فهل يصح أن يسمى عمل أعرض عنه رسول الله  بدعة ، وهو يحب أن يعمله ، لكن منعه من ذلك الخوف من فرضه على الناس ؟ فكيف يحب رسول الله البدع والضلال ؟ .
ثم هذه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، تفعل ما لم يفعله رسول الله  ، حسب قولها ، فهل وقعت في الضلال ؟
وعن أبي أمامة قال : أول من صلى الضحى رجل من أصحاب رسول الله  ، يكنى بأبي الزوائد   . قال السيوطي : وقد تأولوا هذا الأثر على أنه أول من صلاها في المسجد جماعة كما تصلى التراويح   .
وعن مجاهد قال : دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد ، فإذا عبدالله بن عمر جالس إلى حجرة عائشة ، والناس يصلون الضحى في المسجد فسألناه عن صلاتهم فقال : بدعة ...  . قال القاضي عياض والنووي كلاهما في شرح مسلم : مراده أن إظهارها في المسجد بدعة ، والإجتماع لها هو البدعة . قال النووي : أو يقال : المواظبة عليها بدعة ، لأن النبي  لم يواظب عليها ، خشية أن تفرض  .
ومع كل ذلك ، يقول ابن عمر : لقد قتل عثمان ، وما أحد يسبحها ، وماأحدث الناس شيئا أحب إلي منها   .
فهل تستحب مثل هذه البدع ، لولا أنها خير ؟ ولاأظن الإحتفال بالمولد إلا من هذا القبيل .ولهذا السبب ، يجب أن نفهم ما دفع شيخ الإسلام ابن تيمية ، إلى القول في حق من احتفل بالمولد (( محبة للنبي ، وتعظيما له ، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والإجتهاد ... ثم يقول : إذا كان في البدعة نوع من الخير ، فعوض عنه من الخير المشروع بحسب الإمكان ... ولاينبغي لأحد أن يترك خيرا ، إلا إلى مثله ، أو إلى خير منه ))   .
فكيف يجوز أن يحصل فاعل البدعة على الثواب ، والبدعة ضلالة ، والضلالة هي وصاحبها في النار ؟ .
والأمثلة كثيرة ، وقد تطول ، على ما أحدثه الصحابة من أمور تعبدية ليس لها مثيل سابق في عهد النبي  ، فالأذان الأول للجمعة زمن عثمان ، والزيادة على أربعين جلدة في حد الخمر، وإيقاع التطليقات الثلاث بلفظ واحد، زمن عمر  ، وكثير من هذا القبيل مما لايخفى على متتبع .
د.عن أبي الدرداء قال : سمعت رسول الله  قال : ( إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ، وحد حدودا فلا تعتدوها ، وسكت عن كثير عن غير نسيان ، فلا تكلفوها ، رحمة من الله فاقبلوها )   .
وفي رواية : عن أبي ثعلبة قال : إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ، وحد حدودا فلا تعتدوها ، ونهى عن أشياء فلاتنتهكوها ، وسكت عن أشياء رخصة لكم ، ليس بنسيان ، فلا تبحثوا عنها    .
وفي رواية : عن أبي الدرداء مرفوعا : ( ما أحل الله فهو حلال ، وما حرم فهو حرام ، وما سكت عنه فهو عفو ، فاقبلوا من الله عافيته ، فإن الله لم يكن لينسى شيئا )    .
وعن سلمان أنه سئل عن الجبن والسمن والفراء فقال : ( الحلال ما أحل الله في كتابه ، والحرام ما حرم الله في كتابه ، وما سكت عنه ، فهو مما عفا عنه )   .
وإذا كان الإحتفال بالمولد لم يؤمر به ، ولم ينه عنه ، فيكون ضمن المسكوت عنه ، المرخص فيه . والمعنى واضح جدا .
هـ. وبناء على ما مر من أمثلة ، أصبح من المهم جدا التمييز في البدع بين ما يبتدع في العقائد ، وما يبتدع في الفقه ( الأحكام العملية : العبادات والمعاملات ) ، فالفرق شاسع كبير .
فإن من المتفق عليه ، أن الإبتداع في مسائل العقائد شر وضلال ، ولايسامح فاعله إلا بالتوبة ، ولا يثاب ، قال تعالى وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ )   .
وقال : (فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ)   .
ولذلك غضب رسول الله  على الصحابة لما تراجعوا في القدر ، ونهاهم عن الخوض فيه مرة أخرى   . وضرب عمر رضي الله عنه صبيغ بن عسيل على رأسه ، حتى أدماه ، لأنه سأل عن متشابه القرآن الكريم   .
لكن الأمر مختلف في أبواب الفقه ومسائله ، فالمجتهد مأجور وإن أخطأ ، ولايعنف ، ولايبدّع إن اجتهد فأداه اجتهاده إلى حكم جديد لم يسبق له ، مادام أن له مسوغا . ولاشك أن العبادات باب من أبواب الفقه ، لأن علم الفقه يشتمل على الأحكام العملية الشرعية ، وهي : ( العبادات ، والمعاملات ) . والإحتفال بالمولد عمل عبادي ، لادخل له بالعقيدة . قال ابن تيمية : ( الأعياد شريعة من الشرائع )  . فقال : شريعة ، ولم يقل عقيدة . ولو قلنا بأن البدعة الضلالة تنطبق على أبواب العبادات بالمعنى العام ، لكان الصحابة مبتدعة فيما عملوه من عبادات جديدة فيما أوردناه عنهم من أمثلة ، كيف ؟ وهم أبعد الناس عن البدع ، وأشدهم تمسكا بالسنة الصحيحة .
وعلى فرض أن المحتفلين بالمولد على خطأ ، فلا يصح نعتهم بالمبتدعة ، ولايوصف فعلهم بالضلال ، لأن الضلالة في بدع العقائد ، وما عداها قد تذم وقد تحمد ، وتذم إن تعارضت مع نص أو إجماع ، كما ذكر الإمام الشافعي ، وما عداه فهو خير ، ولا يوصل إلا إلى خير .
قال الخطابي  في شرح حديث ( كل محدثة بدعة ) : هذا خاص في بعض الأمور دون بعض ، وهي شيء أحدث على غير مثال ، أو أصل من أصول الدين ، وعلى غير عبادته وقياسه ، وأما ماكان منها مبنيا على قواعد الأصول ، ومردودا إليها فليس بدعة ولا ضلالة    .
وقال ابن حجر الهيتمي : والحاصل أن البدعة الحسنة ، متفق على ندبها ، وعمل المولد ، واجتماع الناس له كذلك ،( أي بدعة حسنة )  .
و.وأما قول المنكرين للإحتفال بالمولد : إن ذلك يعني إحداث عيد جديد في
الإسلام ، لادليل عليه ، والأعياد توقيفية ، لايجوز مجاوزتها  . قال ابن تيمية : (إذ الأعياد شريعة من الشرائع فيجب فيها الاتباع لا الابتداع وللنبي  خطب وعهود ووقائع في أيام متعددة مثل يوم بدر وحنين والخندق وفتح مكة ووقت هجرته ودخوله المدينة وخطب له متعددة يذكر فيها قواعد الدين ثم لم يوجب ذلك أن يتخذ مثال تلك الأيام أعيادا وإنما يفعل مثل هذا النصارى الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى عليه السلام أعيادا أو اليهود وإنما العيد شريعة فما شرعه الله اتبع وإلا لم يحدث في الدين ما ليس منه )  .
والجواب : أن مسألة الأعياد من المسائل التي فصل رسول الله  الكلام فيها ، فحرم ما كان منها محرما ، وشرع ما كان منها مشروعا ، ولاشك أن بيانه في مثل هذه الأحوال يجب أن يكون كاملا ، إذ لايجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ، فلو بقي من الأعياد وراء ذلك عيد محرم لذكره ، وحذر منه ، فلا يعني سكوته بعد ذلك عن عيد آخر إلا الجواز (أي لنا الحرية في فعله أو عدم فعله ) .
1.        فعن أنس قال : قدم النبي  المدينة ، ولهم يومان يلعبون فيهما ، فقال : ( قد أبدلكم الله تعالى بهما خيرا منهما ، يوم الفطر ، ويوم الأضحى )   . فشرع عيدي الفطر والأضحى .
2.        عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله  يقول يوم الجمعة عيد ... )   . وهنا شرع عيد الجمعة . ويؤيده كذلك :
3.        قوله  عن يوم الجمعة حين وافق يوم عيد قد اجتمع في يومكم هذا عيدان ، فمن شاء أجزأه من الجمعة ، وإنا مجمعون )  
4.        عن أبي هُرَيْرَةَ قال قال رسول اللَّهِ   : ( لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا ، ولا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا ، وَصَلُّوا عليّ ، فإن صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ )     . قال المناوي : معناه النهي عن الاجتماع لزيارته اجتماعهم للعيد إما لدفع المشقة أو كراهة أن يتجاوزوا حد التعظيم وقيل العيد ما يعاد إليه أي لا تجعلوا قبري عيدا تعودون إليه متى أردتم أن تصلوا علي فظاهره منهي عن المعاودة والمراد المنع عما يوجبه وهو ظنهم بأن دعاء الغائب لا يصل إليه ويؤيده قوله : (وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم ) أي لا تتكلفوا المعاودة إلي فقد استغنيتم بالصلاة علي.   
فنهى في هذا الحديث عن نوع من أنواع الأعياد الممنوعة شرعا . ولو كان هناك نوع آخر من الأعياد المحرمة لبينه . فدل سكوته على جواز ما عداه . ولذلك ساغ للصحابة الإحتفال بأيام أخرى أخذت معنى العيد وتزيت بزيه .
قال القرطبي : قيل ليوم الفطر والأضحى عيدا : لأنهما يعودان كل سنة . وقال الخليل : العيد كل يوم يجمع ، كأنهم عادوا إليه . وقال ابن الأنباري : سمي عيدا : للعود في المرح والفرح ، فهو يوم سرور الخلق كلهم . وقال ابن حجر العسقلاني عن حديث (دعهما فإنها أيام عيد ): أي يوم سرور شرعي ، فلا ينكر فيه مثل هذا كما لاينكر في الأعراس    .
فإذا لم ينكر الفرح (الذي هو بمعنى العيد) في عرس أي إنسان عادي ، فكيف ينكر ذلك المعنى في الفرح بمولد سيد ولد آدم ؟ . ولذلك سمى الصحابة أياما أخرى عيدا :  
فقد روى البخاري عن عمربن الْخَطَّابِ ( أَنَّ رَجُلًا من الْيَهُودِ ، قال له: يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، آيَةٌ في كِتَابِكُمْ تقرؤونها ، لو عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ ، لَاتَّخَذْنَا ذلك الْيَوْمَ عِيدًا ، قال : أَيُّ آيَةٍ ؟ قال : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا )  قال عُمَرُ: قدعَرَفْنَا ذلك الْيَوْمَ ، وَالْمَكَانَ الذي نَزَلَتْ فيه على النبي   ، وهو قَائِمٌ بِعَرَفَةَ ، يوم جُمُعَةٍ )   .  وذكرابن حجر العسقلاني أنه جاء في رواية الطبري قول عمر لليهودي : (نزلت يوم جمعة يوم عرفة ، وكلاهما بحمد الله لنا عيد) وعند الطبراني ، (وهما لنا عيدان)    . فهذا عمر رضي الله عنه يقر كون يوم عرفة عيدا .
قال ابن حجر العسقلاني : فإن العيد مشتق من العود ، وقيل له ذلك : لأنه يعود في كل عام ، وقد نقل الكرماني عن الزمخشري ، أن العيد هو السرور العائد ، وأقر ذلك ، فالمعنى : أن كل يوم شرع تعظيمه ، يسمى عيدا .....فلا يمنع أن يتخذ عيدا ، ويعظم ذلك اليوم من أوله ، لوقوع موجب التعظيم في أثنائه     .
وأصرح من ذلك أيضا :ما رواه الترمذي عن عَمَّارِ بن أبي عَمَّارٍ ، قال : قَرَأَ ابن عَبَّاسٍ ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا)   وَعِنْدَهُ يَهُودِيٌّ فقال ، لو أُنْزِلَتْ هذه عَلَيْنَا لَاتَّخَذْنَا يَوْمَهَا عِيدًا ، قال ابن عَبَّاسٍ: فَإِنَّهَا نَزَلَتْ في يَوْمِ عِيدٍ ، في يَوْمِ جُمْعَةٍ ،وَيَوْمِ عَرَفَةَ . قال أبو عِيسَى :هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ من حديث ابن عَبَّاسٍ وهو صحيح  
قال ابن حجر العسقلاني : فظهر أن الجواب تضمن أنهم اتخذوا ذلك اليوم عيدا وهو يوم الجمعة ، واتخذوا يوم عرفة عيدا ، لأنه ليلة العيد .   
وعندما أتي عمر بكنوز كسرى بكى ، فقال له عبدالرحمن بن عوف : ما يبكيك ياأمير المؤمنين ؟ فوالله إن هذا ليوم شكر ، ويوم سرور ، ويوم فرح ...    .
فيوم النصر على الأعداء يوم عيد أيضا ، وكذا يوم الهجرة ، ويوم المولد ، كل ذلك لابأس بتسميتها أعيادا بإذن الله تعالى .
بل ورد في الحديث تسمية شهر رمضان وشهر ذي الحجة عيدا ، روى  البخاري ومسلم عن عبدالرحمن بن أبي بَكْرَةَ عن أبيه  عن النبي  قال : شَهْرَا عِيدٍ لاينقصان ، رَمَضَانُ وَذُو الْحَجَّةِ    .
فتخصيص يوم بالفرح أو العبادة أو الذكر غير الأيام المنصوص عليها لايعد مخالفة ، لعدم النص على المنع من ذلك ولذلك كان ابن مسعود يذكّر الناس كل خميس ، فقال له رجل : ياأبا عبدالرحمن ، لوددت أنك ذكرتنا كل يوم ، قٌال : أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم ، وإني أتخولكم بالموعظة ، كما كان النبي  يتخولنا بها ، مخافة السآمة علينا    .
وروى ابن تيمية عن عبد العزيز بن محمد الداروردي قال : رأيت رجلا من أهل المدينة يقال له : محمد بن كيسان ، يأتي إذا صلى العصر من يوم الجمعة ، ونحن جلوس مع ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، فيقوم عند القبر  ، فيسلم على النبي  ، ويدعو حتى يمسي ، فيقول جلساء ربيعة : انظروا إلى ما يصنع هذا ، فيقول : دعوه فإنما للمرء ما نوى .
وهذه الحكاية قد يتمسك بها على الطرفين ، فإنها تتضمن أن الذي فعله هذا الرجل ، أمر مبتدع عندهم ، لم يكن من فعل الصحابة ولا غيرهم من علماء أهل المدينة ، وإلا لو كان هذا أمرا معروفا من عمل أهل المدينة ، لما استغربه جلساء ربيعة وأنكروه ...
ثم إن جلساء ربيعة وهم قوم فقهاء علماء ، أنكروا ذلك ، وربيعة أقره ، فغايته أن يكون في ذلك خلاف ، ولكن تعليل ربيعة له : بأن لكل امرئ ما نوى ، لا يقتضي الإقرار على ما يكره ، فإنه لو أراد الصلاة هناك لنهاه وكذلك لو أراد الصلاة في وقت نهي ، وإنما الذي اراده ربيعة والله أعلم ، أن من كانت له نية صالحة أثيب على نيته ، وإن كان الفعل الذي فعله ليس بمشروع ، إذا لم يتعمد مخالفة الشرع .فهذا الدعاء وإن لم يكن مشروعا لكن لصاحبه نية صالحة قد يثاب على نيته   .
ورحم الله أبا الطيب محمد بن إبراهيم السبتي ، الفقيه المالكي المتوفى سنة 695هـ  نزيل قوص ، وأحد العلماء العاملين ، فإنه كان يجتاز إلى الكتاتيب في يوم المولد النبوي ، فيقول للمعلمين : يافقيه ، هذا يوم سرور ، اصرف الصبيان ، فيصرفونهم    .

الدليل الثاني للمنكرين : أن عمل المولد لو كان خيرا محضا ، أو راجحا ، لكان السلف  أحق به منا ، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله  وتعظيما له منا ، وهم على الخير أحرص ، وإنما كمال محبته وتعظيمه ، في متابعته ، وطاعته ، واتباع أمره ، وإحياء سنته باطنا وظاهرا ، ونشر ما بعث به ، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان ، فإن هذه طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ، والذين اتبعوهم بإحسان   .
ومثل هذا الكلام مردود أيضا : فإن القرآن الكريم أبطل هذا المذهب ، فقال تعالى : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْراً مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ)   . فادعوا أنهم حازوا كل الخير ، ولو كان الإسلام خيرا لحازوه قبل غيرهم . وكذا هنا ،لايصح هذا القول ، فالصحابة رضي الله عنهم قالوا عن بعض آرائهم أنها خطأ ، ومعلوم أن الخطأ ليس من الخير ، فقد كان أحدهم إذا أراد أن يفتي يقول : سأقول رأيي ، فإن كان صوابا فمن الله ، وإن كان خطأ ، فمني ومن الشيطان ، والله ورسوله بريئان. قال ذلك أبو بكر الصديق في الكلالة ، وقال نحوها ابن مسعود في المرأة التي توفي عنها زوجها ، ولم يكن فرض لها صداقا ، ولم يدخل بها ، وقال مثل ذلك: عمر وابن عمر وغيرهم   .  
فليس من الضروري أن يحوز الأنسان كل الخير، ولايفوته شيء منه ، وكذا أهل عصر دون غيرهم ، قال  ابن حجر العسقلاني عن قوله  :  ( إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة ، من يجدد لها دينها )  :  لا يلزم ان يكون في رأس كل مائة سنة واحد فقط ، بل يكون الأمر فيه كما ذكر في الطائفة ، ... فإن اجتماع الصفات المحتاج إلى تجديدها ، لا ينحصر في نوع من أنواع الخير ، ولا يلزم أن جميع خصال الخير كلها في شخص واحد    .
فلايلزم أن يحوز أهل عصر كل الخير ، ولايفوتهم منه شيء ، فقد ذكرنا سابقا ، أن المسلمين أحدثوا من الأمور التي فيها خير كثير للأمة ، وللدين ، ما لم يفعله من سبقهم ، كتصنيف الكتب ، وافتراض المسائل ، ووضع الحلول لها قبل حصولها ، مما نفع من أتى بعدهم النفع الكبير ، ووضعوا علوما لم تكن معروفة عند من قبلهم ، كعلم النحو والمعاني والبيان والأوزان ، ولايسعنا أن نقول: إن هذه الأمور لو كانت خيرا ، لسبقهم إليها الصحابة الكرام ، فسبحان من تفرد بالكمال ، واتصف غيره بالنقص ، وقد قال تعالى وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ)     
فما وصلوا إليه بعلمهم ، لم يكن كل شيء ، وقد أخبر القرآن الكريم عن كثير من المعلومات ، أنها لن تفهم أو تعلم ، إلا بعد حين . قال تعالى : (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ)  .
وقال : ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ )   .
فليس من الصواب القول : بأن الصحابة عرفوا كل شيء ، ولم يفتهم أي شيء، لكن يقال : عرفوا ما كان في زمانهم ، وما يلائم عصرهم ، ولم يفتهم منه شيء ، لكن أبواب العلم كثيرة ، وأبواب الخير واسعة ، ولعلهم كان لديهم ما يشغلهم بشكل أكبر من شغلهم بالمولد ، ومعلوم أننا يجب أن نأخذ بفقه الأولويات ، فمهمة نشر الدين ، والدعوة إلى الله ، في بداية الإسلام ، كانت أكبر وأعظم ، من كل شيء سواها ، كما كانت الدعوة إلى التوحيد فقط ، هي الأهم والأولى في العهد المكي ، قبل العهد المدني من تاريخ الدعوة ، ولذلك كان فيها فإن الله حرم على النار أن تأكل من قال لاإله إلا الله يبتغي بها وجه الله ) قال ابن شهاب الزهري : أدركنا الفقهاء وهم يرون أن ذلك كان من قول رسول الله  قبل أن تنزل موجبات الفرائض في القرآن     .
فليس هناك أهم من ذلك في تلك المرحلة .
ولعل المسلمين بعد أن استقرت دولتهم ، وقويت شوكتهم في العصور اللاحقة ، صار لديهم مايشبه الترف الديني والفكري والعملي ، فقالوا وعملوا ما لم يقله الصحابة والتابعون ولم يعملوه ، لكن ليس بدافع المخالفة ، وإنما بدافع الوصول إلى الكمال . والله تعالى أعلم .

الدليل الثالث : قال تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً)   .
فالله تعالى قد أكمل لنا الدين ، وإحداث مثل هذه الموالد ، يفهم منه أن الله سبحانه لم يكمل الدين لهذه الأمة ، وأن الرسول  لم يبلغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به ، حتى جاء هؤلاء المتأخرون ، فأحدثوا في شرع الله سبحانه ، ما لم يأذن به ، وهذا بلا شك فيه خطر عظيم ، واعتراض على الله سبحانه ، وعلى رسوله  ، والله سبحانه قد أكمل لعباده الدين ، وأتم عليهم النعمة ، والرسول  قد بلغ البلاغ المبين ، ولم يترك طريقا يوصل إلى الجنة ، ويباعد من النار ، إلا بينه للأمة ، وقد صح عنه قوله : ( لم يكن نبي قبلي ، إلا كان حقا عليه ، أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم ، وينذرهم شر ما يعلمه لهم )   . ومعلوم أن نبينا  ، هو أفضل الأنبياء وخاتمهم ، وأكملهم بلاغا ونصحا ، فلو كان الإحتفال بالموالد من الدين الذي يرضاه الله سبحانه ونبيه  للأمة ، لفعله في حياته ، أو فعله أصحابه ، فلما لم يقع شيء من ذلك ، علم أنه ليس من الإسلام في شيء ، بل هو من المحدثات التي حذر منها أمته    .
والجواب على ذلك : أن المقصود بإكمال الدين ،إكمال العقائد والأحكام الأساسية ، قال القرطبي : وقيل: ( أكملت لكم دينكم) بأن أهلكت لكم عدوكم وأظهرت دينكم على الدين كله كما تقول قد تم لنا ما نريد إذا كفيت عدوك . وقد نزل بعد ذلك قرآن كثير ونزلت آية الربا ونزلت آية الكلالة إلى غير ذلك وإنما كمل معظم الدين وأمر الحج إذ لم يطف معهم في هذه السنة مشرك ولا طاف بالبيت عريان ووقف الناس كلهم بعرفة     .
روى الطبري عن ابن عباس قوله:( اليوم أكملت لكم دينكم) وهو الإسلام قال: أخبر الله نبيه والمؤمنين أنه قد أكمل لهم الإيمان فلا يحتاجون إلى زيادة أبدا ، وقد أتمه الله عز ذكره فلا ينقصه أبدا وقد رضيه الله فلا يسخطه أبدا .      وقال قتادة :أخلص الله لهم دينهم ونفى المشركين عن البيت   .
وإنما ينصرف الذهن إلى معنى العقيدة دون غيرها ، لأن القرآن الكريم كثيرا ما يستعمل كلمة الدين في العقائد ، نظير ذلك قوله تعالى : ( ولاتكونوا من المشركين مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)   
وقوله أيضا :( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)   .
ومعلوم أن الإختلاف في الفروع الفقهية أمر مشروع ،  لكن الإختلاف في الأصول والعقائد أمر محرم في شرع الله تعالى . ولذلك تحمل هذه الآيات على الخلاف العقائدي المحرم ، وهذا دليل على أن كلمة ( الدين ) هي العقيدة . فقد جرى الإختلاف في الفروع الفقهية زمن رسول الله ، بين الصحابة الكرام ، وأقرهم جميعا ، ولم ينكر عليهم ، في حوادث مشهورة   . لكن ورد النهي عن الإختلاف في الأصول ومنها العقائد المقصودة بكلمة( الدين ) وعلى هذا فمعنى الآية : (أكملت لكم دينكم ) أي عقيدتكم . والله تعالى أعلم .
وقد سبق أن قررنا أن الإحتفال بالمولد ، من باب الفروع الفقهية ، وليس من باب العقائد ، وبالتالي فلا مصادمة بينه وبين هذه الآية . ولو حملنا هذه الآية على جميع الدين عقيدة وشريعة ، أصولا وفروعا ، لما جاز لمجتهد أن يحدث حكما ، أو يفتي في مسألة جديدة إلا بالتحريم والمنع منها ، لأن الدين قد كمل ، وهذا خطأ فادح لايقبله شرع الله ، وإلا لانتهى الفقه ، وانغلق باب الإجتهاد .
ثم إن الآية لم تكن آخر القرآن نزولا ، فقد نزل بعدها آيات تحمل أحكاما فقهية عملية ، فلا يصح حملها على الفروع الفقهية بحال لأن ذلك مناقض للواقع .
أما الحديث الذي أوردوه ، وقولهم : إن إحداث المولد معناه : أن الرسول  لم يبلغ الدين كاملا ، ولو كان ذلك من أبواب الخير لذكره رسول الله .
والجواب على ذلك : أن أبواب الخير كثيرة ، وأدنى الخير أن يكون الشيء مباحا ، قال تعالى عن رسوله  : ( وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ )   . والطيبات لا بد أنها من الخير ، وإحلالها تشريع لها .
كما أنه من المعلوم ، بأن ماطلب الشارع الإتيان به درجات ، أعلاها : ماأوجبه ، ويأتي بعده مااستحب فعله ، وآخر المطلوب إتيانه ، ماأباحه . وقد قررنا سابقا بأن الله تعالى فرض فرائض ، وألزمنا بعدم تضييعها ، ونهى عن أشياء ، وألزمنا اجتنابها ، وسكت عن أشياء ، من غير نسيان ، وإنما رحمة بنا ، لئلا يكلفنا ما لانطيق ، وترك الأمر فيها إلينا ، فهي من المباح ، ولو كانت شرا أو تفضي إلى شر لحرمها ، ولعل الإحتفال بالمولد مما سكت عنه ، ولم يأمر به أو ينهى عنه ، فيكون مباحا ، والمباح داخل في المطلوب فعله ، لأنه أدنى درجات التكليف . فسكوته  بحد ذاته تشريع بإباحة ما سكت عنه ، كما في سكوته على ما يفعل بحضره فإنه يعد إقرارا له .
ومن المعلوم عند علماء الأصول ، أن الحكم التكليفي ، يقتضي طلب الفعل أو طلب الكف عنه أو التخيير بين الفعل والترك . قال الآمدي عن أقسام الحكم التكليفي : وإن لم يكن متعلقا بخطاب الإقتضاء ، فإما أن يكون متعلقا بخطاب التخيير ، أو غيره ، فإن كان الأول : فهو الإباحة ، وإن كان الثاني ، فهو الحكم الوضعي   .
أي أنه يقسم الحكم إلى ثلاثة أقسام : حكم اقتضائي : وهو مايقتضي طلب الفعل ، أو الكف عنه ، وحكم تخييري ، وهو ما يقتضي التخيير بين الفعل والترك ، وحكم وضعي ، وهو جعل شيء سببا لشيء ، أو شرطا له ، أو مانعا منه   .
وبالتالي : فاحتفال المولد شرعه الشارع بإباحته ، وتشريعه ، بناء على سكوت الله ورسوله  عنه ، فبعد ذلك لايصح أن يقال : لو كان من أبواب الخير لدلنا عليه رسول الله  ، فإن سكوته عنه دلالة إشارية إلى جواز فعله ، ولو كان شرا لنهى عنه ، لأن الشيء إما أن ينسب إلى الخير أو ينسب إلى الشر ، ليس بينهما شيء آخر . فلما لم يمنع منه رسول الله  ، علم أنه ليس من الشر ، فلزم أن يكون من الخير ، وشرعنا كله خير .
الدليل الرابع :أن الإحتفال بالمولد ، يدخل ضمن التشبه بأهل الكتاب ، من اليهود والنصارى ، في أعيادهم ، فهو ليس من دين الإسلام في شيء   .
قال ابن تيمية : وإنما يفعل مثل هذا النصارى الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى عليه السلام أعيادا ، أو اليهود ، ... وكذلك ما يحدثه بعض الناس ، إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام وإما محبة للنبي  ، وتعظيما له .   وقد صح في الحديث قوله  : ( إياكم والغلو في الدين ، فإنما أهلك من كان قبلكم ، الغلو في الدين )  .وقال  :( لاتطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ...)  
والجواب : لاشك أن الله ورسوله  نهيا الأمة عن التشبه بأهل الكتاب ، وجاء الأمر بمخالفتهم ، لكن يبدو أن هذا النهي أو الأمر ليس على إطلاقه ، فإن المقصود بالتشبه المنهي عنه ، فعل مااختص به أهل الكتاب ، وعرفوا به دون غيرهم ، أم ما كان عاما عندهم وعند غيرهم ، فله حكم آخر ، فأهل الكتاب يؤمنون بالله ، ونحن نؤمن ، واليهودي أو المسيحي المتدين يطلق لحيته ، والمسلم كذلك ، ولايسمى هذا تشبها . والضابط في هذا : أن الأمر إن كان فيه خير ، وقصد به وجه الله تعالى ، أو إصلاح الدين ، أو اقتضته عقيدتنا الصحيحة ، فلا مانع منه إنشاء الله تعالى . ولنا في رسول الله أسوة حسنة ، فقد صح عن ابن عباس أنه قال : قدم النبي المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء ، فقال : ماهذا ؟ قالوا : هذا يوم صالح ، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم ، فصامه موسى . قال : أنا أحق بموسى منكم ، فصامه ، وأمر بصيامه  . وفي رواية : فقالوا : هذا اليوم الذي أظفر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون ، ونحن نصومه تعظيما له ، فقال رسول الله  : نحن أولى بموسى منكم ، ثم أمر بصيامه   .
وعن أبي موسى الأشعري قال : كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيدا ، قال النبي : فصوموه أنتم   .
كماصح عن ابن عباس أيضا : أن النبي كان يسدل شعره ، وكان المشركون يفرقون رؤوسهم ، وكان أهل الكتاب يسدلون رؤوسهم ، وكان النبي  يحب موافقة أهل الكتاب ، فيما لم يؤمر فيه بشيء ، ثم فرق النبي  رأسه   .
فهل صيامه  عاشوراء ، يعد تشبها باليهود ؟ أم أنه رأى أن في  الأمر احتفالا بموسى عليه السلام ، وفرحا بنصره ، وأن ذلك اليوم ، يوم من أيام الله التي أعز فيه الإيمان وخذل الشرك ، وهو معنى مقبول شرعا ، كما قال تعالى :      ( وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُون بنصر الله)   . فإذا وافق ذلك العمل المشروع ، ماكان عند اليهود ، فهي محض موافقة غير مقصودة ، وإنما جاءت بدافع شرعي ، هو إظهار حب موسى وولائه ، ولايبطلها أن اليهود يعملون مثل ما عملنا . ومن هذ الباب قوله  : ( ...وَالْجِهَادُ مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَنِي الله إلى أَنْ يُقَاتِلَ آخِرُ أُمَّتِي الدَّجَّالَ لَا يُبْطِلُهُ جَوْرُ جَائِرٍ ولا عَدْلُ عَادِلٍ ...)   . وفي رواية      : ( واجب عليكم مع كل أمير برا كان أو فاجرا )  ومعناه أن حكم الجهاد باق على الأمة لايبطله كون القائد أو الإمام فاجرا أو غير ذلك ،  فلايسقط بفسق الإمام أو جوره . وكذا هنا ، إذا كان الفعل خيرا فهو مشروع لنا ، ولايبطله فعل الكافر له.
وأما الحديث الثاني : فواضح فيه أن رسول الله  ، لما سدل شعره أراد مخالفة المشركين ، لأن فرق الرأس ليس فيه معنى شرعي مستساغ يدفعه إلى فعله ، فلما رأى أن اليهود يسدلون شعورهم ، ربما ظن أن السدل كان من سنن من سبقه من الأنبياء ، وهو مأمور بالاقتداء بهم بقوله تعالى : (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)   . أما مشابهة اليهود له فليست مقصودة لذاتها . ولذلك لايصح أن يقال : إنه لما عاد لفرق الرأس أنه تشبه بالمشركين .  وبالتالي فالنتيجة هي : أن العمل إن كان القصد منه شرعي ، أو يحقق مقصدا شرعيا ، أو مصلحة مشروعة ، فلا مانع من فعله ، وإن وافق فعل أهل الكفر ، فقد كتب الله عزوجل علينا الصيام ، وأهل الكتاب يصومون ، وأثبت ذلك القرآن الكريم : )َ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)   . وكتب علينا القصاص ، وهو عند اليهود ، وفي توراتهم :   ( وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)   .
على أنه تجدر الإشارة إلى حقيقة هي : أنه ما من مسلم عاقل ، يحتفل بمولده   وهو قاصد التشبه بأهل الكتاب ، لكن ربما هذا المقصد موجود في احتفال بعضهم بمولد نفسه، أو قريب له، ولاسيما ممن يخف عنده الوازع الديني . أما الإحتفال بمولد الرسول الكريم   ، فلايشك أحد ، أن مثل هذا القصد ، أبعد ما يكون عن تفكيره وخاطره ، فكيف يتقرب المسلم إلى الله ورسوله بالتمثل بأعدائهما ، ومن كفر بهما ؟ لايقول هذا عاقل .
ولننظر إلى الشق الثاني من كلام ابن تيمية الذي أوردته في بداية هذا الدليل ، فإنه أقر بأن البعض يفعله محبة للنبي ، ولاأظن أن أحدا من المحتفلين ، يختلف قصده عن هذا المقصد ، فأي ضير أو مانع من محبته ، وهو القائل : لايؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين   .
أما ماذكره من الغلو في الدين ، والإطراء كما أطرت النصارى عيسى عليه السلام ، فذاك أمر متفق على حرمته ، فإذا بلغ الإنسان مرحلة الغلو ، وجاوز الحد ، وبلغ الإطراء إلى رفع الرسول   فوق مرتبة العبودية لله عزوجل ، فذلك هو الحرام المتفق على منعه ، فإن النصارى ادعو ألوهية عيسى عليه السلام ، ولايحق لمسلم أن يدعي ذلك في رسول الله   ، فإنما هو عبدالله ورسوله ، ولا مرتبة أعظم من أن يكون الإنسان عبدا لله تعالى بحق ، وقد قالها   بصريح العبارة :( لاتطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ، فإنما أنا عبده ، فقولوا : عبدالله ورسوله )   .
الدليل الخامس : إذا كان تاريخ مولد رسول الله  غير متفق عليه ، في أي شهر ، وفي أي يوم من ذلك الشهر ، فكيف يصح الإحتفال به ، وحصر ذلك الإحتفال بيوم معين من كل عام ؟ .
يقول ابن تيمية : والله قد يثيبهم على هذه المحبة ، والإجتهاد ، لاعلى البدع ، من اتخاذ مولد النبي  عيدا ، مع اختلاف الناس في مولده  .
وقال ابن حجر العسقلاني : وعلى هذا فينبغي أن يتحرى اليوم بعينه ..... ومن لم يلاحظ ذلك ، لايبالي بعمل المولد في أي يوم من الشهر ، بل توسع قوم فنقلوه إلى يوم من السنة ، وفيه ما فيه   .
والجواب : أنه لاينكر أن هناك أقوالا كثيرة في تحديد يوم المولد وشهره . فقيل : هو الأول ، وقيل : الثالث ، وقيل : الثامن ، وقيل : العاشر ، وقيل : الثاني عشر ، وقيل : السابع عشر( يوم الجمعة ) ، وقيل : الثامن عشر من ربيع الأول ، وقيل : لثمان بقين منه ، وقيل : الثاني عشر من رمضان ، وقيل يوم عاشوراء ، وقيل: في صفر ، وقيل : في ربيع الثاني   .
ولاأدعي أن في وسعي تحديد الصحيح من هذه الأقوال ، لكن سأحاول الوصول إلى أرجحها بحسب الوسع مستعينا بالله عزوجل .
فقد اتفق معظم أئمة التاريخ والسير على : أنه و لد يوم الإثنين من شهر ربيع الأول عام الفيل   . لكنهم اختلفوا بعد ذلك :
وقد ذكر ابن كثير ،أن من قال : إنه ولد يوم الجمعة 17 ربيع الأول ، أبعد وأخطأ ، لأنه لاخلاف بين العلماء أنه ولد يوم الإثنين ، ونقل عن الحافظ ابن دحية ، تضعيفه ، ثم قال : وهو جدير بالتضعيف ، إذ هو خلاف النص  .وقال صاحب السيرة الحلبية : والله بل أخطأ من قال : ولد يوم الجمعة  
أما القول : بأنه ولد في رمضان ، فقال ابن كثير : قول غريب جدا ، وكأن مستنده : أنه عليه الصلاة والسلام ، أوحي إليه في رمضان بلا خلاف ... فيكون مولده في رمضان ، وهذا فيه نظر .
وأما القول : بأنه ولد في أول شهر ربيع الأول ، فالخبر فيه غريب جدا .
ثم عاد فقال عن مولده يوم 8 ربيع الأول : نقل ابن عبدالبر، عن أصحاب التاريخ ، أنهم صححوه ، وقطع به الحافظ الكبير محمد بن موسى الخوارزمي ، ورجحه الحافظ أبو الخطاب بن دحية ، في كتابه التنوير في مولد البشير النذير .قال صاحب السيرة الحلبية : قال ابن دحية : وهو الذي لايصح غيره ، وعليه أجمع أهل التاريخ .وقال القسطلاني : وهو اختيار أكثر أهل الحديث ، أي كالحميدي وشيخه ابن حزم .
وأما عن تاريخ 18 ربيع الأول ، فقال : رواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن جابر وابن عباس ، وقال : هذا قول : ابن حزم ، وهو المشهور عند الجمهور . إلا أن صاحب السيرة الحلبية قال : عن رواية ابن أبي شيبة : هو حديث معلول.
أما من قال : إنه ولد لثمان بقين من ربيع الأول ، فقد نقله ابن دحية عن ابن حزم ، لكن قال ابن كثير : والصحيح عن ابن حزم أنه قال : ولد يوم 18 ربيع الأول .
أما يوم 12 ربيع الأول : فهو قول محمد بن إسحاق    . وقد رماه الإمام أحمد بالتدليس ، وسئل : إذا انفرد ابن إسحاق بحديث ، تقبله ؟ قال : لا . إني رأيته يحدث عن جماعة بالحديث الواحد ، ولا يفصل كلام ذا ، من كلام ذا   .
وقال صاحب السيرة الحلبية :  قال فيه ابن دحية :  ذكره ابن إسحاق مقطوعا دون إسناد ، وذلك لا يصح أصلا، ولو أسنده ابن إسحاق لم يقبل منه، لتجريح أهل العلم له ، فقد قال كل من ابن المديني وابن معين :إن ابن إسحاق ليس بحجة ، ووصفه مالك رضي الله تعالى عنه بالكذب ، قيل : وإنما طعن فيه مالك لأنه بلغه عنه أنه قال :هاتوا حديث مالك ، فأنا طبيب بعلله. فعند ذلك قال مالك: وما ابن إسحاق ؟ إنما هو رجل من الدجاجلة، أخرجناه من المدينة.وقال بعضهم: ابن إسحاق فقيه ثقة لكنه مدلس  .
أما القول : بأنه ولد في عاشوراء ، فقد ذكر الذهبي أن ذلك من الإفك ، أي الكذب ، وكذا عن قول من قال : في صفر أو رييع الثاني  
وعلى هذا فأرجح الأقوال في هذه المسألة : أنه ولد يوم 8 ربيع الأول .
وفي محاولة مني لإيجاد قرينة تقوي هذا التاريخ ، بالعودة إلى الحسابات الفلكية العلمية ، راجعت فيها الأستاذ الدكتور مجيد محمود جراد ، أستاذ الفيزياء الفلكية ، في جامعة الأنبار ، فذكر لي ما نصه : أن مجموع المصادر والمراجع التاريخية ، لاتتفق على يوم محدد ، لمولده  ، وإنما ذكرت أياما مختلفة ، فضلا عن إشارتها إلى سنين مختلفة ، فمنهم من يجعل عام الفيل هو العام الميلادي (570 )، ومنهم من يجعله العام (571).
ومما تجدر الإشارة إليه ، أن العرب قبل ولادة الرسول   ، وبعد ولادته بعدة سنوات ، لم تكن لديهم الوسائل العلمية المتيسرة لدينا في الوقت الحاضر ، لحساب وتثبيت بدايات الأشهر القمرية بالدقة المطلوبة ، إضافة إلى هيمنة أساليب الكبس والنسيء  ، التي كانت طاغية في ذلك الزمان ، فيحرّمون بعض الأشهر ، ويحللون الأخرى وفقا لمصالحهم وأهوائهم ، وظل ذلك طاغيا ، حتى جاء الإسلام ، وحرمه تحريما أبديا ، ولذلك ، فإننا نستطيع القول: بأن الحسابات العلمية الفلكية قد لاتتطابق مع واقع التاريخ المتعارف عليه في تلك الأزمنة ، وقد تعطينا هذه الحسابات ، نتائج تختلف عما كان يؤرخ له الناس في ذلك الحين .
ولكن مع وجود هذه الموانع ، فقد تم استخدام الحسابات الفلكية العلمية ، لحساب اليوم والتاريخ المقابل ليوم ( 8 ربيع الأول ) لعام (570م) ، فوجد أنه يقابل يوم الثلاثاء ( 29 / 4 / 570م ) . وبالنسبة ليوم (12 ربيع الأول ) لعام (570م) ، فوجد أنه يوافق يوم السبت ( 3/5/571م) . وبالتالي ، فلاصحة لقول من قال : إن العام الذي حصل فيه المولد هو العام (570) ، لأن الثابت في السنة النبوية ، أن يوم الولادة كان يوم الإثنين ، وليس الثلاثاء أو السبت .
ولكن من خلال استخدام الحسابات الفلكية ، وجد أن هلال شهر ربيع الأول للعام (571م) أو (عام الفيل) قد حدث في تمام الساعة العاشرة وثلاث عشرة دقيقة ، صباح يوم الجمعة الموافق : ( 10 / 4 / 571 ) وقد غاب الهلال الوليد ، خلف أفق مكة المكرمة ، بعد غياب الشمس بمدة قصيرة جدا ، بحيث أن رؤيته مساء ذلك اليوم ، كانت مستحيلة ، حتى لو تم استخدام المراقب والمناظير الفلكية ، التي لم تكن متوفرة حين ذاك .
وبناء على هذه النتيجة ، يكون اليوم الأول من شهر ربيع الأول هو : يوم الأحد الموافق ( 12/4/571م) . ومنه نعلم ، أن يوم ( 8 ربيع الأول ) الذي ورد في بعض الروايات التاريخية ( والتي ذكرنا تقوية العلماء وتصحيحهم له ) يوافق يوم الأحد ( 19/4/571م) . وأن يوم (12/ ربيع الأول ) يوافق يوم الخميس  ( 23/4/571) أي أن الولادة حصلت ،وفقا للحساب الفلكي ، إما يوم الأحد ،أو الخميس . انتهى كلام الدكتور مجيد محمود جراد .
وفيما يلي جدول بتواريخ أيام شهر ربيع الأول حسب الحسابات التي أجراها الأستاذ الدكتور مجيد محمود جراد ، يتبين من خلالها كيفية موافقة يوم الثامن من ربيع الأول ليوم الإثنين :

ربيع الأول سنة 571 م
السبت
        قمري        ---        7        14        21        28
        شمسي        ---        18/4        25/4        2/5        9/5
الأحـد
        قمري        1        8        15        22        29
        شمسي        12/4        19/4        26/4        3/5        10/5
الإثنـين
        قمري        2        9        16        23        30
        شمسي        13/4        20/4        27/        4/5        11/5
الثلاثاء
        قمري        3        10        17        24       
        شمسي        14/4        21/4        28/        5/5       
الأربعاء
        قمري        4        11        18        25       
        شمسي        15/4        22/4        29/4        6/5       
الخميس
        قمري        5        12        19        26       
        شمسي        16/4        23/4        30/4        7/5       
الجمعة
        قمري        6        13        20        27       
        شمسي        17/4        24/4        1/5        8/5       
وأقول : إن أعلام التاريخ قد ذكروا : أن ولادة الرسول الكريم   حصلت ليلا  قال ابن عباس : إن رسول الله  وضع ليلا ، وكان أهل الجاهلية ، إذا ولد لهم مولود من تحت الليل ، رموه تحت الإناء ، فلا ينظرون إليه حتى يصبحوا ، فلما ولد رسول الله   ، رموه تحت البرمة  ، فلما أصبحوا ، إذا هي قد انفلقت ، وعيناه إلى السماء...   .
فيمكن أن يقال : إذا وافقنا ما رجحه العلماء في تاريخ (8 ربيع الأول عام 571م) ، فإن الولادة المباركة تمت ليلة الإثنين ، ولأن بداية اليوم تكون من الليل ، كما يقال : ليلة الجمعة ، وليلة العيد ...الخ . فلا مانع من القول : إنه ولد بتاريخ ( 8 ربيع الأول ) الموافق ليوم الأحد ، ليلة الإثنين . فجمع الرواة بين تاريخ يوم الأحد ، وليلة الإثنين ، وإنما لم يقولوا : ولد يوم (9 ربيع الأول) لأن ولادته لم تكن صباحا ، فحسبت على اليوم السابق . والله تعالى أعلم .
وإنما تركت يوم الثاني عشر من ربيع الأول ، لأنه يوافق يوم الخميس ، وكذلك يوم الثامن عشر منه ،لأنه يوافق يوم الأربعاء . فكان أقرب التواريخ هو يوم الثامن من ربيع الأول .
فالذي تميل إليه النفس فعلا ، هو يوم الثامن من ربيع الأول ، لما ذكرت من تصحيح أهل التاريخ له ، وقطع الخوارزمي به،  وترجيح الحافظ ابن دحية له، وحكاية الحميدي له عن شيخه ابن حزم ، ورواية الرواة له عن الزهري    .
فهؤلاء علماء التاريخ والحساب والحديث والفقه وغيرهم ، كلهم رجحه ، وقواه ، واختاره . وإذا ثبت ذلك فلا حجة في قول المنكرين : ( مادام التاريخ غير متفق عليه ، فلا يصح الإحتفال به لجهالته .
وعلى فرض بقاء جهالته ، وعدم معرفتنا لوقته الصحيح الذي حصل فيه ، بسبب النسيء الذي كانت تستخدمه العرب ، فإننا نلمح في فعله   ، ما يدل على جواز فعله طيلة أيام العام ، فسوف نذكر ( أن رسول الله   سئل عن صيام يوم الإثنين . قال : ذاك يوم ولدت فيه ، ويوم بعثت أو أنزل علي فيه)   . فلعل الله تعالى لم يطلعه على تاريخ مولده في أي شهر كان ، لعدم ثبات الشهور في تلك الأزمنة بسبب النسيء ، فصام احتفالا بمولده وبعثته يوم الإثنين من كل إسبوع ، فكرر الإحتفال بذلك قرابة (48) مرة في العام الواحد . فلابأس أن يقام الإحتفال بمولده في أي يوم اثنين، من أي شهر . والله تعالى أعلم . وفي هذا جواب على اعتراض ابن حجر العسقلاني الذي قدمناه ، حينما اشترط تحري يوم المولد بعينه ، وحذر من فعل من توسع فيه ، فجعله يوما من السنة ، وقال : ( فيه ما فيه ).
ومن المناسب هنا ، ذكر اللطيفة التي أوردها ابن الحاج وغيره ، في بيان الحكمة ، من اختيار الله تعالى ، مولد نبيه  ، يوم الإثنين من شهر ربيع الأول حيث قال : فإن قال قائل : ما الحكمة في كونه عليه الصلاة والسلام ، خص مولده الكريم بشهر ربيع الأول ، وبيوم الإثنين منه على الصحيح والمشهور عند أكثر العلماء ، ولم يكن في شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ، وفيه ليلة القدر ، واختص بفضائل عديدة ، ولا في الأشهر الحرم ، التي جعل الله لها الحرمة ، يوم خلق السماوات والأرض ، ولا في ليلة النصف من شعبان ، ولا في يوم الجمعة ، ولا في ليلتها ؟ فالجواب من أربعة أوجه :  
الوجه الأول : ما ورد في الحديث ، من أن الله تعالى ، خلق الشجر يوم الإثنين  . وفي ذلك تنبيه عظيم ، وهو أن خلق الأقوات والأرزاق ، والفواكه والخيرات التي يتغذى بها بنو آدم ، ويحيون ، ويتداوون ، وتنشرح صدورهم لرؤيتها ، وتطيب بها نفوسهم ، وتسكن بها خواطرهم عند رؤيتها ...  يشبه وجوده   في هذا الشهر ،في هذا اليوم ، بسبب ما وجد من الخير العظيم ، والبركة الشاملة ، لأمته صلوات الله عليه وسلامه .
الوجه الثاني : فيه إشارة وتفاؤل بالنسبة إلى اشتقاقه ، وقد قال الشيخ الإمام أبو عبدالرحمن الصقلي رحمه الله : لكل إنسان من اسمه نصيب . ففصل الربيع ، فيه تنشق الأرض عما في بطنها ، من نعم المولى سبحانه وتعالى ، وأرزاقه ...
الوجه الثالث :أن فصل الربيع أعدل الفصول وأحسنها ، وشريعته أعدل الشرائع وأسمحها .
الوجه الرابع : أن الحكيم سبحانه أراد أن يشرف به الزمان الذي ولد فيه ، فلو ولد في الأوقات المتقدم ذكرها ، لكان قد يتوهم أنه يتشرف بها . والعكس هو الصحيح    .
الدليل السادس : إذا كان الشهر الذي ولد فيه  هو ربيع الأول ، هو بعينه الشهر الذي توفي فيه ، فليس الفرح فيه بأولى من الحزن فيه . قال ذلك الفاكهاني ، فيما نقله عنه السيوطي   .
وقد أجاب عن ذلك السيوطي بقوله : إن ولادته  أعظم النعم علينا، ووفاته أعظم المصائب لنا ، والشريعة حثت على إظهار شكرالنعم ، والصبر والسكون والكتم عند المصائب ، وقد أمر الشرع بالعقيقة عند الولادة ، وهي إظهار شكر وفرح بالمولود ، ولم يأمر عند الموت بذبح ولا بغيره ، بل نهى عن النياحة ، وإظهار الجزع ، فدلت قواعد الشريعة ، على أنه يحسن في هذا الشهر ، إظهار الفرح بولادته  ، دون إظهار الحزن فيه بوفاته ، وقد قال ابن رجب في كتاب اللطائف ، في ذم من اتخذ يوم عاشوراء مأتما ، لأجل قتل الحسين : لم يأمر الله ولا رسوله ، باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتما ، فكيف ممن هو دونهم    .
الدليل السابع : أن عمل المولد غالبا ما يرافقه بدع ومحرمات ، كالغناء ، وآلات الطرب المهيجة لطرب النفوس ، واختلاط النساء بالرجال ، وظهور العورات ، والنظر المحرم بينهم . وبالغ بعضهم فقال : إن غالب هذه الإحتفالات لاتخلو من شرب المسكرات والمخدرات ، وقد يقع فيها الشرك الأكبر ، بالغلو في رسول الله   ، أو غيره من الأولياء ، ودعائه والإستغاثة به ، وطلب المدد منه ، واعتقاد أنه يعلم الغيب ، وغير ذلك من الأمور الكفرية ، التي يتعاطاها الكثير من الناس ، حين احتفالهم بمولد الرسول   ، وغيره من الأولياء .
ومن العجائب والغرائب ، أن الكثير من الناس ينشط ويجتهد في حضور هذه الإحتفالات ، ويدافع عنها ، ويتخلف عما أوجب الله تعالى عليه من حضور الجمع والجماعات ، ولايرفع بذلك رأسا ، ولا يرى أنه أتى منكرا عظيما . أو أن يظن بعضهم ، أن رسول الله   يحضر المولد ، ولهذا يقومون له محيين ومرحبين ، وهذا من أعظم الباطل ، وأقبح الجهل ، لأنه  لايخرج من قبره قبل يوم القيامة ، ولايتصل بأحد من الناس ، ولايحضر اجتماعاتهم ، بل هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة ، وروحه في أعلى عليين ، عند ربه في دار الكرامة ، وهذا أمر مجمع عليه بين علماء المسلمين ، ليس فيه نزاع بينهم   .
والجواب : أن ما ذكر ، ليس فيه ذم للمولد ، بل ذم لبعض ما قد يقع من بعض العوام من محرمات أو منكرات ، فهذه المحرمات شيء ، والمولد شيء آخر ، ولابد من القول : بأن البحث عن حكم شيء يجب أن ينصب عليه ، لاعلى ما قد يرافقه في بعض الأحيان ، وهو ما يسميه الفقهاء : بالوصف غير اللازم للحكم ، وهذا مماثل لما ذكره العلماء ، عن حكم البيع وقت النداء للجمعة ، فإن كثيرا منهم قال : البيع صحيح ، وفاعله آثم     وهو ما يسمى بالمحرم لغيره ، فهو مباح بأصله ، لكن رافقه وصف محرم فحرم لأجله ، ولو تخلف هذا الوصف لعاد مباحا .
فلو خلا احتفال المولد عن هذه المنكرات ، فلا مانع منه ، لأن الحرمة ليست أصلية فيه ، بل عارضة عليه .
ومن الجدير بالذكر ، وجوب التركيز على وجود فرق بين الإسلام والمسلم ، أو بين الحكم الشرعي ، والمكلف ، فالإسلام أحكام شرعية حقة ، ثابتة وواضحة ، أما المسلم ، فقد يلتزم بتلك الأحكام ، فيكون فعله مشروعا ، وقد يخالف تلك الأحكام ، فيكون فعله هو خصوصا غير مشروع ، أما أصل الفعل وحكمه فلايتغيران .
فإذا ثبت أن احتفال المولد النبوي مشروع في الأصل ، فهذا حكم شرعي نابع من الإسلام ، لاغبار عليه ، أما المسلم المحتفل بالمولد ، فقد يلتزم في احتفاله بما أقره الشرع ، فيكون المولد الذي عمله هو ، أو حضره ، مباح ، وأما أن يخالف ذلك المسلم شرع الله ، بارتكابه بعض المحرمات ، فلا يقال : إن المولد محرم ، لأن المسلم خالف شرع الله ، بل يقال : إن المولد مباح ومرتكب المحظور آثم . ولو أننا ألغينا كل فعل مشروع في الأصل ، بسبب أخطاء ، أو آثام يرتكبها بعض المسلمين ، لساغ لنا أن نقول : إن الصلاة حرام ، لأن كثيرا من المسلمين لايؤدونها على الوجه الصحيح ، وبعضهم يرائي فيها ، وبعضهم يأتي المسجد لينظر إلى النساء المصليات ، وكذا الحج وباقي العبادات . وهذا مالايقبله مسلم عاقل . بل يقال : إن الصلاة والحج في الأصل مشروعان ، وأما المسلم العاصي ، فهو آثم لوحده ، بسبب ارتكابه المعاصي ، وليس بسبب صلاته أو حجه ، وعلى المسلمين منعه من معصيته ، بالنصح أو بوسائل تغيير المنكر المعروفة .
المطلب الثاني : أدلة المجيزين للإحتفال بالمولد
كل ما تقدم من مناقشة لأدلة المنكرين ، مبني على فرض عدم وجود أدلة شرعية ، تثبت أصل المولد ومشروعيته في دين الإسلام ، لكن لابد من القول : بأن ذلك مجرد افتراض ، على سبيل التنزل ، وإلا فالأدلة وافرة في إثبات أصل لهذا الإحتفال ، وهي متنوعة نجملها فيما يأتي :
  الدليل الأول : قوله تعالى : ( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)   .
وجه الدلالة : قوله (وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ) . وقد ذكر المفسرون لمعنى الرحمة هنا معاني عدة منها : القرآن ، أوأن جعلنا الله من أهل القرآن ، أو تزيين الإسلام في القلوب ،أو الجنة ، أو السنن   .
إلا أن بعضهم حمل الآية على عمومها ، قال ابن جزيء الكلبي  : والفضل والرحمة عموم   . فهي بعمومها تشمل كل ما سماه الله تعالى رحمة ، ومن جملة ذلك : رسول الله  ، قال تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)   .
وقد صرح بهذا المعنى ابن عباس فيما رواه عنه السيوطي ، قال : أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في الآية قال : فضل الله : العلم ، ورحمته : محمد  ، قال الله تعالى :( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)     .
ومن مظاهر الفرح برسول الله   ، الإحتفال بموعد مجيئه إلى الدنيا رحمة لأهلها وللمؤمنين به . قال تعالى : ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ)   .
الدليل الثاني: صحّ عن أبي قتادة الأنصاري : أن رسول الله سئل عن صوم يوم الإثنين فقال :(ذاك يوم ولدت فيه ، ويوم بعثت أو أنزل علي فيه)   
وقد مرّ ذكر هذا الحديث الشريف ، وواضح فيه أن رسول الله  ، شرع فيه الصيام ، كنوع من أنواع الشكر لله تعالى على مولده وبعثته للبشرية ، أو نزول القرآن الكريم عليه ، فمن استطاع الصيام فيه ، فقد أتى بالسنة ، وشكر الله تعالى بعين ما فعله رسوله الكريم  ، ومن لم يصم ، استعاض عن ذلك بإطعام الطعام ، أو الإجتماع على ذكر الله والصلاة على رسوله، أو قراءة القرآن الكريم أوسيرة الرسول   ، وعمل ما شابه من الأعمال الصالحة ، إظهارا للفرح ، واحتفالا بمولد سيد البشر .
ولايقال : لايجوز أن يفعل غير الصيام . فإن رسول الله   لما صام ذلك اليوم ، فإن فعله لايدل إلا على جواز فعل الصوم ، لكنه لم ينص على منع ما سوى الصيام . ونستطيع أن نلمح في أحكام الشريعة الإسلامية ، أن الله تعالى أقام الإطعام مقام الصيام ، لمن لم يؤده في رمضان ، لمرض أو سفر ، وكذا الإعتاق . فإذا قام الإطعام والإعتاق مقام صيام رمضان ، لمن لم يقدر عليه ، فلا داعي لحصر الإحتفال بالصيام فقط ، فأبواب الشكر لله تعالى أوسع من أن تضيق بدون دليل . والله تعالى أعلم .
الدليل الثالث : عن ابن عباس قال : لما قدم النبي  المدينة ، وجد اليهود يصومون عاشوراء ، فسئلوا عن ذلك ، فقالوا : هذا اليوم الذي أظفر الله فيه موسى وبني إسرائيل ، على فرعون ، ونحن نصومه تعظيما له . فقال رسول الله  : نحن أولى بموسى منكم . ثم أمر بصومه   .
وواضح من قول اليهود : أنهم يصومون هذا اليوم تعظيما له ، ومن أمره   بصيامه ، أنه أقر تعظيم هذا اليوم ، وأوجب صيامه ، وعده عيدا آخر من أعياد المسلمين .
ولعل في ذلك ردا على من يدعي أن أعياد المسلمين محصورة بعيدي الفطر والأضحى ويوم الجمعة ، قال أبوالدرداء رضي الله عنه  : التمسوا الخير دهركم كله ، وتعرضوا لنفحات رحمة الله ، فإن لله نفحات من رحمته ، يصيب بها من يشاء من عباده ، واسألوا الله أن يستر عوراتكم ، ويؤمن روعاتكم   .
بل روى أنس بن مالك أن رسول الله  قال : افعلوا الخير دهركم ، وتعرضوا لنفحات رحمة الله ، فإن لله نفحات من رحمته ، يصيب بها من يشاء من عباده ...   . وفي رواية : إن لربكم ، في أيام دهركم نفحات ، فتعرضوا له ، لعله أن يصيبكم نفحة منها ، فلا تشقون بعدها أبدا   .
قال المناوي :ومقصود الحديث أن لله فيوضا ومواهب تبدو لوامعها من فتحات أبواب خزائن الكرم والمنن في بعض أوقات ... ووقت النفحة غير معلوم بل مبهم في الأزمنة والساعات وإنما غيب علمه لتدوام على الطلب بالسؤال المتداول كما في ليلة القدر وساعة الجمعة فقصد أن يكونوا متعرضين له في كل وقت قياما وقعودا وعلى جنوبهم وفي وقت التصرف في أشغال الدنيا فإنه إذا داوم أوشك أن يوافق الوقت الذي يفتح فيه ... فيسعد بسعادة الأبد   .
ولعل يوم المولد فيه هذا المعنى ، فليس عبثا أن يختار الله تعالى هذا الزمان ، ليخلق فيه الرحمة المهداة ، ويرسلها لتعم الدنيا ، وجميع المخلوقات ، فلعل التعرض من العبد لهذا الوقت ، وذاك الزمان ، يعرضه لنفحة من رحمات رب العباد ، فيسعد بها السعادة الكبرى .
الدليل الرابع : عن أنس :(أن النبي  عقّ عن نفسه بعدما بعث نبيا )
قال صاحب الأحاديث المختارة : إسناده صحيح ، وله طرق متعددة ، ذكرها ابن حجر ، وقال عن أحدها : قوي الإسناد . وقال العراقي : له طريق لابأس بها . وهذه الطريق اعترض عليها ، لأن فيها عبدالله بن المثنى ، قال ابن حجر : فلولا ما في عبدالله بن المثنى من المقال ، لكان هذا الحديث صحيحا ، لكن ذكره ابن حبان في الثقات وقال : ربما أخطأ ، ووثقه العجلي والترمذي . فالرجل ليس مجمعا على ضعفه     .
قال السيوطي : وقد ظهر لي مشروعية الإحتفال بالمولد ، بناء على هذا الحديث ، فقد عقّ  عن نفسه بعد النبوة ، مع أنه قد ورد أن جده عبدالمطلب عقّ عنه في سابع ولادته   ، والعقيقة لاتعاد مرة ثانية ، فيحمل ذلك على ، أن الذي فعله النبي  ، إظهار للشكر على إيجاد الله إياه رحمة للعالمين ، وتشريع لأمته ، كما كان يصلي على نفسه ، لذلك فيستحب لنا إظهار الشكر بمولده ، بالاجتماع ، وإطعام الطعام ، ونحو ذلك من وجوه القربات ، وإظهار المسرات   .
الدليل الخامس : روى البخاري أن عروة قال : وثويبة مولاة لأبي لهب ، كان أبو لهب أعتقها ، فأرضعت النبي  ، فلما مات أبو لهب ، أريه بعض أهله بشر حيبة   ، قال له : ماذا لقيت ؟ قال أبو لهب : لم ألق بعدكم ، غير أني سقيت في هذه بعتاقتي ثويبة   .
وفي رواية أخرى ، قال عروة : قال أبو لهب : لم ألق أو أجد بعدكم رخاء ، غير أني سقيت في هذه مني ، لعتقي ثويبة ، وأشار إلى النقرة التي تلي الإبهام ، والتي تليها    .
وقال ابن حجر : ذكر السهيلي أن العباس قال لما مات أبو لهب : رأيته في منامي بعد حول ، في شر حال ، فقال : مالقيت بعدكم راحة ، إلا أن العذاب يخفف عني كل يوم اثنين ، قال : وذلك أن النبي   ولد يوم الإثنين ، وكانت ثويبة بشرت أبا لهب بمولده فأعتقها   .
فهذا أبولهب مخلد في النار ، كافر بالله ورسوله   ومع ذلك يخفف عنه العذاب ، لسروره بمولد رسول الله   ، وعتقه بهذه المناسبة جاريته ثويبة . فكيف بمن يسر بمولد المصطفى  وهو مؤمن به ؟ فهذا من باب أولى أن يكتب له القبول ، وتناله الرحمة في الدنيا والآخرة .
وقد قال الحافظ شمس الدين محمد بن ناصر الدين الدمشقي ، حافظ الشام ، في كتابه ( مورد الصادي في مولد الهادي ) : فقد صح أن أبا لهب يخفف عنه عذاب النار في مثل يوم الإثنين ، لإعتاقه ثويبة ، سرورا بميلاد النبي   ، ثم أنشد :  
إذا كان هذا كافرا جاء ذمه       00000          وتبت يداه في الجحيم مخلدا
أتى أنه في يوم الاثنين دائما      00000          يخفف عنه للسرور بأحمدا
فماالظن بالعبد الذي كان عمره   00000        بأحمد مسرورا ومات موحدا
الدليل السادس : تقدم في بداية البحث ، أن أول من أحدث الإحتفال بالمولد ، على الشكل المتعارف عليه اليوم ، هو عمر بن محمد الملاء ، المتوفى سنة 571هـ  في الموصل ، وبعده الملك المظفر ملك أربيل ، المتوفى سنة 630هـ . وأن أول من أنكر هذه الإحتفالات ، الإمام تاج الدين عمر بن علي اللخمي المشهور بالفاكهاني ، المولود سنة 654هـ أو 656هـ ، والمتوفى سنة 734هـ ، وجاء بعده الإمام ابن تيمية الحراني ، المولود سنة 661هـ ، والمتوفى سنة 728هـ   .
وقد ذكرنا في أوائل هذا البحث ، أن الملك المظفر ، كان يجمع أهل العلم والفقه والعبادة ، لهذه الإحتفالات ، دون نكير من أحد منهم أو من غيرهم ، وبقي الحال هكذا ، مع شهرته ومعرفة الجميع به ، وألأخبار التي أوردناها في كيفية هذه الإحتفالات ، دالة على ذلك ، ومثل هذه الحال يمكن أن يقال : إن فيها حصول إجماع أو اتفاق على مشروعية ذلك ، مع مضي مايزيد على قرن من الزمان ، دون نكير ، إلى أن حصل الإنكار من هذين الإمامين .
فهل يصح في مثل هذه الحالة ، أن يرفض حكم استقر عليه علماء عصر من العصور ؟ ولعل جميعهم أو أكثرهم مات قبل أن يظهر من ينكر عليهم مافعلوا .
أقول : أليس مثل هذا الإنكار يعد خرقا للإجماع ، ومخالفة غير سائغة له ، بعد أن استقر وثبت ؟ .
فلو نظرنا إلى سنة وفاة الإمام الفاكهاني ، وسنة وفاة الشيخ عمر بن محمد الملاء ، لتبين أن بينهما مالايقل عن 163سنة ، وما بين الفاكهاني وبين الملك المظفر في الوفاة ، مالايقل عن 104 سنة . هذا إذا قلنا : إن أول من أنكر الإحتفال هو الشيخ الفاكهاني ، لأن سنة ولادته متقدمة على سنة ولادة الشيخ ابن تيمية .
أما لو اعتبرنا سنة الوفاة ، فسيكون ابن تيمية هو أول المنكرين ، وما بين وفاته ووفاة الشيخ عمر الملاء ما لايقل عن 157 سنة ، وبين وفاة ابن تيمية ووفاة الملك المظفر ما لايقل عن 98 سنة .
وهذ يعني : أن أول من أنكر ، إنما أنكر على إجماع حصل ، وحكم ثبت ، لأن الجمهور من علماء المسلمين يرون ، انعقاد الإجماع دون اشتراط انقراض عصر المجمعين ، وحتى على رأي من اشترط الإنقراض ، فإن هذا الشرط متحقق هنا ، لوجود فارق بين الطرفين يصل إلى قرن أو أكثر من الزمان .
ومعلوم أن الإجماع حجة قطعية ملزمة للمسلمين ، لاتجوز معها المخالفة أو النقض  . وأقل ما يقال عن مخالفة الإجماع أو نقضه : إنه معصية   .
وبعد ما تقدم ، فالراجح بإذن الله تعالى ، قول من أجاز أو استحسن هذه الإحتفالات ، ولايسعنا أن نقول ، إلا بمثل ما قالت طائفة من أعلام العلماء ، ومحققيهم ، وفضلائهم . وأسوق الآن بعض أقوالهم ، تأييدا لما ذهبنا إليه وما رجحناه :
1.        قال الإمام أبو شامة شيخ النووي : فالبدع الحسنة متفق على جواز فعلها ، والإستحباب لها ، ورجاء الثواب لمن حسنت نيته فيها، وهي كل مبتدع موافق لقواعد الشريعة ، غير مخالف لشيء منها، ولا يلزم من فعله محذور شرعي ، وذلك نحو بناء المنابر والربط والمدارس وخانات السبيل ، وغير ذلك من أنواع البر التي لم تعد في الصدر الأول ، فإنه موافق لما جاءت به الشريعة ، من اصطناع المعروف ، والمعاونة على البر والتقوى ، ومن أحسن ما ابتدع في زماننا من هذا القبيل ،  ما كان يفعل بمدينة اربل جبرها الله تعالى ، كل عام في اليوم الموافق ليوم مولد النبي  ، من الصدقات والمعروف واظهار الزينة والسرور، فان ذلك مع ما فيه من الإحسان الى الفقراء ، مشعر بمحبة النبي  ، وتعظيمه وجلالته في قلب فاعله ، وشكرا لله تعالى على ما من به ، من إيجاد رسوله ، الذي أرسله رحمة للعالمين ،  وعلى جميع المرسلين   .
2.        قال السخاوي إن عمل المولد حدث بعد القرون الثلاثة ثم لا زال أهل الإسلام من سائر الأقطار والمدن الكبار يعملون المولد ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات ويعتنون بقراءة مولده الكريم ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم  
3.        وقال ابن الجوزي من خواصه أنه أمان في ذلك العام وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام   .
4.        وسئل ابن حجر العسقلاني عن عمل المولد فأجاب : أصل عمل المولد بدعة ، لم تنقل عن أحد من السلف الصالح ، من القرون الثلاثة ، ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدها ، فمن تحرى في عملها المحاسن ، وتجنب ضدها ، كان بدعة حسنة ، وإلا فلا ، وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت ، وهو ما ثبت في الصحيحين ، من أن النبي  قدم المدينة ، فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء ، فسألهم فقالوا : هو يوم أغرق الله فيه فرعون ، ونجى موسى ، فنحن نصومه شكرا لله تعالى . فيستفاد منه فعل الشكر لله ، على ما من به ، في يوم معين ، من إسداء نعمة أو دفع نقمة ، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة ، والشكر لله يحصل بأنواع العبادة ، كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة ، وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي ، نبي الرحمة في ذلك اليوم ...   .
وفي الختام أقول : على فرض أن كل ما قدمناه غير صحيح ، ولا دليل يدل على صحة هذه الإحتفالات ، وأنها مبتدعة محرمة ، تهدي إلى الضلال . فقد ثبت في سنة رسول الله  ، أن الفعل قد يكون منهيا عنه ، ومحرما ، لكن حكمه يتغير ، لظرف طاريء ، أو في حال خاص ، كما قرر العلماء قاعدة تقضي : بأنه قد تتغير الأحكام بتغير الزمان ، أو الظروف المحيطة بالحكم ، أو الفعل المراد معرفة حكمه .
فقد روي أن أبا دجانة  ، شد رأسه يوم أحد بعصابة حمراء ، فنظر إليه رسول الله  ، وهو مختال في مشيته بين الصفين ، فقال : إنها مشية يبغضها الله ، إلا في هذا الموضع   .
ويعضده حديث : ( وإن من الخيلاء ما يحب الله ، ومنها ما يبغض الله ... والخيلاء التي يحب الله ، فاختيال الرجل بنفسه عند القتال ...   .
قال ابن عربي : الخضوع واجب في كل حال ، إلى الله تعالى باطنا وظاهرا ، فإذا اتفق أن يقام العبد في موطن ، الأولى فيه ظهور عزة الإيمان وجبروته وعظمته ، لعز المؤمن وعظمته وجبروته ، ويظهر في المؤمن من الأنفة والجبروت ، ما يناقض الخضوع والذلة ، فالأولى إظهار ما يقتضيه ذلك الموطن ، قال تعالى : ( وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ )   ، وقال:( وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ )   . فهذا من باب إظهار عزة الإيمان ، بعزة المؤمن ، وفي الحديث ( إن التبختر مشية يبغضها الله إلا بين الصفين) فإذا علمت أن للمواطن أحكاما ، فافعل بمقتضاها تكن حكيما   .
وجه الدلالة : أن رسول الله  ، شأنه شأن من سبقه من الأنبياء ، كان ومازال ،  له أعداء كثيرون ، يناصبونه العداء ، وكلنا رآى وسمع ما يصنعه اليوم بعض أعدائه ، من رسوم مسيئة لشخصه ودينه ، ولاأظن أن فاعليها قصدهم النيل منه شخصيا ، فهم أبعد ما يكونون عن نيل ذلك، لكن مقصدهم ومبتغاهم ، أن يعرفوا أمازال في أمته من يعتز به ، ويدافع عنه ، ويغضب لحرمته . ولعل أسهل طريق اليوم ، لنُري أعداءه مكانته في قلوبنا ، وقدر محبتنا له ، ومدى تمسكنا بنهجه ، أن نكثر من احتفالنا بمولده الكريم ، حتى وإن كان هذا الإحتفال بدعة ، لم يسبقنا إليه سلفنا الصالح ، فيكون من باب : ( هذه مشية يبغضها الله إلا في هذا الموضع ) . فليكن المولد بدعة ، يبغضه الله إلا في هذا الموضع ، أي إذا أريد به الرد على كل مسيء لرسولنا الكريم  ، إعلاء لقدره ، وإظهارا لإيماننا وتمسكنا به ، وحبنا له ، على أن لانقتصر على ذلك فقط ، بل يجب أن نضم إليه تمسكنا بمنهجه ، وتطبيقنا لسنته ، على الوجه الذي أمر به . والله تعالى أعلم .












الخاتمــــة
بعد هذه الجولة في ثنايا هذا الموضوع ، واستعراض أدلة الخصوم فيه ، أود أن أسجل أهم النتائج التي وصلت إليها فيه وهي :
1.        للإحتفال بالمولد مظهران : قديم ومحدث ، فأما القديم : فهو إقامة العبادات التي فيها شكر الله تعالى ، على النعمة ببروز هذا الرسول الكريم ، رحمة للعالمين ، بصيام يوم هذه المناسبة ، أو إطعام الطعام فيها ، أو الإجتماع على ذكر الله عزوجل ، والصلاة على رسوله ، وتلاوة مولده ، وتذكير الناس بمكانته ، مستندين في ذلك إلى فعله   في يوم الإثنين من كل إسبوع .
أما المحدث : فهو ما دخل بعض تلك الإحتفالات في بعض بلاد المسلمين، وليس كلها ، من أمور فيها مخالفات شرعية ، كالإختلاط والغناء وما شابه ، ولاشك أن الحلال بيّن ، والحرام بيّن ، في الفرق بين هذه الإحتفالات ، وإن كان الحرام ليس في أصل الإحتفال ، وإنما في بعض ما رافق تلك الإحتفالات ، فلا يقال : إن الإحتفال محرم ، لأنه رافقته هذه المخالفات ، وإنما الإحتفال جائز أو مستحسن ، والمخالفة محرمة .
2.        الإحتفالات المعروفة بشكلها الحالي ، لم تكن موجودة في زمن النبي   ، أو صحابته الكرام ، وإنما ظهر ذلك في الثلث الأخير من القرن السادس الهجري ، وبدايات القرن السابع ، على يد الملك المظفر ـ أحد ملوك أربيل في شمال العراق ـ وكان يقتدي في ذلك ، بأحد شيوخ الموصل وصالحيها ، وهو معين الدين عمر بن محمد الملاء .
3.        بدء هذه الإحتفالات لاقى قبولا واستحسانا لدى علماء تلك العصور ، وموافقة لم يظهر لها نكير من أحد منهم ، فكان ذلك إجماعا على صحة الأمر ومشروعيته ، وأول من حدث منه الإنكار أو الإعتراض ، هو الشيخ الفاكهاني ، من متأخري المالكية ، وتابعه الإمام ابن تيمية في ذلك، وكلاهما محجوج بالإجماع المنعقد قبله ، لمرور قرن أو قرن ونصف قبلهما ، دون نكير من أحد أو اعتراض على ما جرى .
4.        الأرجح في تحديد يوم المولد ، إن كان لابد من تحديده ، هو يوم الثامن من ربيع الأول من العام 571م ، وإلا ففي السنة الصحيحة إشارة إلى عدم القدرة على تحديد ذلك اليوم بالضبط ، ولذلك صام رسول الله   يوم الإثنين ، (وهو يوم المولد)، من كل إسبوع ، وفي ذلك إشارة إلى إمكانية الإحتفال بهذه المناسبة ، طيلة أيام السنة ، في كل إثنين من أيامها ، وعدم اشتراط وقوع ذلك ، في شهر ربيع الأول ، وإن كانت توجد علامات ترجح كونه في ذلك الشهر .
5.        البدعة التي تكون ضلالة ، إنما هي في المسائل الإعتقادية ، سواء نهى عنها الله ورسوله ، أو لم ينهيا عنها ، أما المحدثات في غير العقائد ، كمسائل الفروع الفقهية ، فلاتكون ضلالة ، إلا إذا ورد النص بالنهي عنها ، أما إن سكت الشارع عنها ، فلم يأمر بها ، ولم ينه عنها ، وكان في إحداثها جلب خير أو مصلحة للمسلمين ، فلا تسمى بدعة ، ضلالة ، ولاتؤدي بصاحبها إلى النار ، ولنا في صحابة رسول الله   في ذلك أسوة حسنة  .     
                                      الباحث





المصـــادر
أولا : كتب التفسير
1.        أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، تأليف: محمد الأمين بن محمد بن المختار الجكني الشنقيطي. ، دار النشر: دار الفكر للطباعة والنشر.  - بيروت. - 1415هـ - 1995م. ، تحقيق: مكتب البحوث والدراسات.
2.        التسهيل لعلوم التنزيل، تأليف: محمد بن أحمد بن محمد الغرناطي الكلبي، دار النشر: دار الكتاب العربي - لبنان - 1403هـ- 1983م، الطبعة: الرابعة .
3.        تفسير البغوي، تأليف: البغوي، دار النشر: دار المعرفة - بيروت، تحقيق: خالد عبد الرحمن العك .
4.        التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب، تأليف: فخر الدين محمد بن عمر التميمي الرازي الشافعي، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت - 1421هـ - 2000م، الطبعة: الأولى .
5.        جامع البيان عن تأويل آي القرآن، تأليف: محمد بن جرير بن يزيد بن خالد الطبري أبو جعفر، دار النشر: دار الفكر - بيروت – 1405.
6.        الجامع لأحكام القرآن، تأليف: أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، دار النشر: دار الشعب – القاهرة .
7.        الدر المنثور، تأليف: عبد الرحمن بن الكمال جلال الدين السيوطي، دار النشر: دار الفكر - بيروت – 1993.
8.        زاد المسير في علم التفسير، تأليف: عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي، دار النشر: المكتب الإسلامي - بيروت - 1404، الطبعة: الثالثة.
ثانيا : كتب الحديث وشروحه :
1.        الأحاديث المختارة، تأليف: أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أحمد الحنبلي المقدسي، دار النشر: مكتبة النهضة الحديثة - مكة المكرمة - 1410، الطبعة: الأولى، تحقيق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش .
2.        الأوائل لابن أبي عاصم، تأليف: أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الشيباني أبو بكر، دار النشر: دار الخلفاء للكتاب الإسلامي - الكويت، تحقيق: محمد بن ناصر العجمي .
3.        الأوائل للطبراني، تأليف: سليمان بن أحمد الطبراني أبو القاسم، دار النشر: مؤسسة الرسالة , دار الفرقان - بيروت - 1403، الطبعة: الأولى، تحقيق: محمد شكور بن محمود الحاجي أمرير .
4.        التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، تأليف: أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري، دار النشر: وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية - المغرب - 1387، تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي ,‏محمد عبد الكبير البكري .
5.        الجامع الصحيح المختصر، تأليف: محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي، دار النشر: دار ابن كثير , اليمامة - بيروت - 1407 - 1987، الطبعة: الثالثة، تحقيق: د. مصطفى ديب البغا .
6.        جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم، تأليف: زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين البغدادي، دار النشر: مؤسسة الرسالة - بيروت - 1417هـ - 1997م، الطبعة: السابعة، تحقيق: شعيب الأرناؤوط / إبراهيم باجس .
7.        الجمع بين الصحيحين البخاري ومسلم، تأليف: محمد بن فتوح الحميدي، دار النشر: دار ابن حزم - لبنان/ بيروت - 1423هـ - 2002م، الطبعة: الثانية، تحقيق: د. علي حسين البواب .
8.        سنن ابن ماجه، تأليف: محمد بن يزيد أبو عبدالله القزويني، دار النشر: دار الفكر - بيروت -  -، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي .
9.        سنن أبي داود، تأليف: سليمان بن الأشعث أبو داود السجستاني الأزدي، دار النشر: دار الفكر -  -، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد .
10.        سنن البيهقي الكبرى، تأليف: أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو بكر البيهقي، دار النشر: مكتبة دار الباز - مكة المكرمة - 1414 - 1994، تحقيق: محمد عبد القادر عطا .
11.        سنن الترمذي، تأليف: محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي السلمي، دار النشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت -  -، تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرون .
12.        سنن الدارمي، تأليف: عبدالله بن عبدالرحمن أبو محمد الدارمي، دار النشر: دار الكتاب العربي - بيروت - 1407، الطبعة: الأولى، تحقيق: فواز أحمد زمرلي , خالد السبع العلمي .
13.        شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك، تأليف: محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت - 1411، الطبعة: الأولى .
14.        شرح السنة، تأليف: الحسين بن مسعود البغوي، دار النشر: المكتب الإسلامي - دمشق _ بيروت - 1403هـ - 1983م، الطبعة: الثانية، تحقيق: شعيب الأرناؤوط - محمد زهير الشاويش .
15.        صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، تأليف: محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي، دار النشر: مؤسسة الرسالة - بيروت - 1414 - 1993، الطبعة: الثانية، تحقيق: شعيب الأرنؤوط .
16.        شرح النووي على صحيح مسلم ، تأليف: أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي، دار النشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت - 1392، الطبعة: الطبعة الثانية .
17.        صحيح مسلم، تأليف: مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري، دار النشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي .
18.        طرح التثريب في شرح التقريب ، تأليف: زين الدين أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسيني العراقي ، دار النشر: دار الكتب العلمية  - بيروت  - 2000م ، الطبعة: الأولى ، تحقيق: عبد القادر محمد علي
19.        عمدة القاري شرح صحيح البخاري، تأليف: بدر الدين محمود بن أحمد العيني، دار النشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت .
20.        عون المعبود شرح سنن أبي داود، تأليف: محمد شمس الحق العظيم آبادي، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت - 1995م، الطبعة: الثانية .
21.        فتح الباري شرح صحيح البخاري، تأليف: أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، دار النشر: دار المعرفة - بيروت، تحقيق: محب الدين الخطيب .
22.        فيض القدير شرح الجامع الصغير، تأليف: عبد الرؤوف المناوي، دار النشر: المكتبة التجارية الكبرى - مصر - 1356هـ، الطبعة: الأولى .
23.        الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار، تأليف: أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي، دار النشر: مكتبة الرشد - الرياض - 1409، الطبعة: الأولى، تحقيق: كمال يوسف الحوت .
24.        كشف المشكل من حديث الصحيحين، تأليف: أبو الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي، دار النشر: دار الوطن  - الرياض - 1418هـ - 1997م. ، تحقيق: علي حسين البواب .
25.        المجتبى من السنن، تأليف: أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي، دار النشر: مكتب المطبوعات الإسلامية - حلب - 1406 - 1986، الطبعة: الثانية، تحقيق: عبدالفتاح أبو غدة .
26.        مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، تأليف: علي بن أبي بكر الهيثمي، دار النشر: دار الريان للتراث/‏دار الكتاب العربي - القاهرة , بيروت – 1407 .
27.        المستدرك على الصحيحين، تأليف: محمد بن عبدالله أبو عبدالله الحاكم النيسابوري، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت - 1411هـ - 1990م، الطبعة: الأولى، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا .
28.        مسند أبي عوانة، تأليف: الإمام أبي عوانة يعقوب بن إسحاق الاسفرائني، دار النشر: دار المعرفة – بيروت .
29.        مسند الإمام أحمد بن حنبل، تأليف: أحمد بن حنبل أبو عبدالله الشيباني، دار النشر: مؤسسة قرطبة – مصر .
30.        مسند الشاميين، تأليف: سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم الطبراني، دار النشر: مؤسسة الرسالة - بيروت - 1405 - 1984، الطبعة: الأولى، تحقيق: حمدي بن عبدالمجيد السلفي .
31.        مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه، تأليف: أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل الكناني، دار النشر: دار العربية - بيروت - 1403، الطبعة: الثانية، تحقيق: محمد المنتقى الكشناوي .
32.        المصنف، تأليف: أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني، دار النشر: المكتب الإسلامي - بيروت - 1403، الطبعة: الثانية، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي .
33.        المعجم الأوسط، تأليف: أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، دار النشر: دار الحرمين - القاهرة - 1415، تحقيق: طارق بن عوض الله بن محمد ,‏عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني .
34.        المعجم الكبير، تأليف: سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم الطبراني، دار النشر: مكتبة الزهراء - الموصل - 1404 - 1983، الطبعة: الثانية، تحقيق: حمدي بن عبدالمجيد السلفي .
35.        معرفة السنن والآثار عن الامام أبي عبد الله محمد بن أدريس الشافعي ، تأليف: الحافظ الامام أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو أحمد. البيهقي. الخسروجردي ، دار النشر: دار الكتب العلمية  - لبنان/ بيروت  - بدون ، الطبعة: بدون ، تحقيق: سيد كسروي حسن .
36.        المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة، تأليف: أبو الخير محمد بن عبد الرحمن بن محمد السخاوي، دار النشر: دار الكتاب العربي - بيروت - 1405 هـ - 1985م، الطبعة: الأولى، تحقيق: محمد عثمان الخشت .
37.        نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار، تأليف: محمد بن علي بن محمد الشوكاني، دار النشر: دار الجيل - بيروت – 1973 .
ثالثا : كتب العقائد :
1.        اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم، تأليف: أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس، دار النشر: مطبعة السنة المحمدية - القاهرة - 1369، الطبعة: الثانية، تحقيق: محمد حامد الفقي .
2.        الباعث على إنكار البدع والحوادث، تأليف: عبد الرحمن بن إسماعيل أبو شامة، دار النشر: دار الهدى - القاهرة - 1398 - 1978، الطبعة: الأولى، تحقيق: عثمان أحمد عنبر .
3.        منهاج السنة النبوية، تأليف: أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس، دار النشر: مؤسسة قرطبة - 1406، الطبعة: الأولى، تحقيق: د. محمد رشاد سالم .
رابعا : كتب الفقه وأصوله :
10        . إعلام الموقعين عن رب العالمين، تأليف: أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي، دار النشر: دار الجيل - بيروت - 1973، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد .
11        . الإحكام في أصول الأحكام، تأليف: علي بن محمد الآمدي أبو الحسن، دار النشر: دار الكتاب العربي - بيروت - 1404، الطبعة: الأولى، تحقيق: د. سيد الجميلي .
12        . البحر الرائق شرح كنز الدقائق، تأليف: زين الدين ابن نجيم الحنفي، دار النشر: دار المعرفة - بيروت، الطبعة: الثانية
13        . المنثور في القواعد، تأليف: محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي أبو عبد الله، دار النشر: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية - الكويت - 1405، الطبعة: الثانية، تحقيق: د. تيسير فائق أحمد محمود .
14        . الوجيز في أصول الفقه : د. عبدالكريم زيدان ، مطبعة سلمان الأعظمي ـ بغداد 1387هـ .
15        . حاشية الرملي : أبو العباس أحمد الرملي الأنصاري .
16        .الأشباه والنظائر، تأليف: عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، دار النشر:     دار الكتب العلمية - بيروت - 1403، الطبعة: الأولى .
1.        التقرير والتحرير في علم الأصول، تأليف: ابن أمير الحاج. ، دار النشر: دار الفكر - بيروت - 1417هـ - 1996م .
2.        حاشية إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين لشرح قرة العين بمهمات الدين، تأليف: أبي بكر ابن السيد محمد شطا الدمياطي، دار النشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت .
3.        الحاوي للفتاوى : جلال الدين السيوطي ، دار الكتب العلمية ـ بيروت 1408هـ .
4.        حواشي الشرواني على تحفة المحتاج بشرح المنهاج، تأليف: عبد الحميد الشرواني، دار النشر: دار الفكر – بيروت .
5.        الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية، تأليف: شيخ الإسلام أبي العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني ، دار النشر: دار المعرفة - بيروت، تحقيق: قدم له حسنين محمد مخلوف .
6.        كتب ورسائل وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، تأليف: أحمد عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس، دار النشر: مكتبة ابن تيمية، الطبعة: الثانية، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي .
7.        كشاف القناع عن متن الإقناع، تأليف: منصور بن يونس بن إدريس البهوتي، دار النشر: دار الفكر - بيروت - 1402، تحقيق: هلال مصيلحي مصطفى هلال .
8.        المجموع، تأليف: النووي، دار النشر: دار الفكر - بيروت - 1997م .
9.        المحلى، تأليف: علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري أبو محمد، دار النشر: دار الآفاق الجديدة - بيروت، تحقيق: لجنة إحياء التراث العربي .
خامسا : كتب السير والتاريخ والتراجم :
1.        إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، تأليف: محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله، دار النشر: دار المعرفة - بيروت - 1395 - 1975، الطبعة: الثانية، تحقيق: محمد حامد الفقي .
2.        البدء والتاريخ، تأليف: وهو المطهر بن طاهر المقدسي، دار النشر: مكتبة الثقافة الدينية – بورسعيد .
3.        البداية والنهاية، تأليف: إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي أبو الفداء، دار النشر: مكتبة المعارف – بيروت .
4.        تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، تأليف: شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، دار النشر: دار الكتاب العربي - لبنان/ بيروت - 1407هـ - 1987م، الطبعة: الأولى، تحقيق: د. عمر عبد السلام تدمرى .
5.        تاريخ مدينة دمشق وذكر فضلها وتسمية من حلها من الأماثل، تأليف: أبي القاسم علي بن الحسن إبن هبة الله بن عبد الله الشافعي، دار النشر: دار الفكر - بيروت - 1995، تحقيق: محب الدين أبي سعيد عمر بن غرامة العمري .
6.        تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار( رحلة ابن بطوطة)، تأليف: محمد بن عبد الله بن محمد اللواتي أبو عبد الله، دار النشر: مؤسسة الرسالة - بيروت - 1405، الطبعة: الرابعة، تحقيق: د. علي المنتصر الكتاني .
7.        تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير، تأليف: جمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي، دار النشر: شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم - بيروت - 1997، الطبعة: الأولى .
8.        تنوير الحوالك شرح موطأ مالك، تأليف: عبدالرحمن بن أبي بكر أبو الفضل السيوطي، دار النشر: المكتبة التجارية الكبرى - مصر - 1389 – 1969.
9.        تهذيب التهذيب، تأليف: أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، دار النشر: دار الفكر - بيروت - 1404 - 1984، الطبعة: الأولى .
10.        الثقات، تأليف: محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي، دار النشر: دار الفكر - 1395 - 1975، الطبعة: الأولى، تحقيق: السيد شرف الدين أحمد .
11.        الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، تأليف: الحافظ شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن محمد العسقلاني، دار النشر: مجلس دائرة المعارف العثمانية - صيدر اباد/ الهند - 1392هـ/ 1972م، الطبعة: الثانية، تحقيق: مراقبة / محمد عبد المعيد ضان .
12.        دلائل النبوة، تأليف: للبيهقي مؤسسة البراق   عبد الله جربوع   .
13.        الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، تأليف: إبراهيم بن علي بن محمد بن فرحون اليعمري المالكي، دار النشر: دار الكتب العلمية – بيروت .
14.        الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية، تأليف:  شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي الدمشقي، دار النشر: مؤسسة الرسالة - بيروت - 1418هـ/ 1997م، الطبعة: الأولى، تحقيق: إبراهيم الزيبق .
15.        سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي، تأليف: عبد الملك بن حسين بن عبد الملك الشافعي العاصمي المكي، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت - 1419هـ- 1998م، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود- علي محمد معوض .
16.        السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون، تأليف: علي بن برهان الدين الحلبي، دار النشر: دار المعرفة - بيروت – 1400.
17.        شذرات الذهب في أخبار من ذهب، تأليف: عبد الحي بن أحمد بن محمد العكري الحنبلي، دار النشر: دار بن كثير  - دمشق - 1406هـ، الطبعة: ط1، تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط، محمود الأرناؤوط .
18.        صفة الصفوة، تأليف: عبد الرحمن بن علي بن محمد أبو الفرج، دار النشر: دار المعرفة - بيروت - 1399 - 1979، الطبعة: الثانية، تحقيق: محمود فاخوري - د.محمد رواس قلعه جي .
19.        طبقات الحفاظ، تأليف: عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي أبو الفضل، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت - 1403، الطبعة: الأولى .
20.        الطبقات الكبرى، تأليف: محمد بن سعد بن منيع أبو عبدالله البصري الزهري، دار النشر: دار صادر - بيروت  .
21.        المختصر الكبير في سيرة الرسول  ، تأليف: عز الدين بن جماعة الكتاني ، دار النشر: دار البشير  - عمان  - 1993م، الطبعة: الأولى ، تحقيق: سامي مكي العاني .
22.        مشاهير علماء الأمصار، تأليف: محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت -  - 1959، تحقيق: م. فلايشهمر .
23.        نفخ الطيب من غصن الأندلس الرطيب، تأليف: أحمد بن محمد المقري التلمساني، دار النشر: دار صادر - بيروت - 1388هـ، تحقيق: د. إحسان عباس .
24.        وفيات الأعيان و انباء أبناء الزمان، تأليف: أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان، دار النشر: دار الثقافة - لبنان، تحقيق: احسان عباس .
سابعا : كتب متنوعة :
1.        لسان العرب، تأليف: محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري، دار النشر: دار صادر - بيروت، الطبعة: الأولى .
2.        المدخل، تأليف: أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد العبدري الفاسي المالكي الشهير بابن الحاج، دار النشر: دار الفكر - 1401هـ - 1981م .
3.        معجم البلدان، تأليف: ياقوت بن عبد الله الحموي أبو عبد الله، دار النشر: دار الفكر – بيروت .














                                                     22/1/2010م
                                                   6 /صفر /1431هـ
回复

使用道具

匿名  发表于 2010-7-4 17:18:53
走了!忙帮完了。
回复

使用道具

匿名  发表于 2010-7-4 19:25:55
31# 知足常乐
  只有犹太人给人念了古兰经才收取钱财,穆斯林念了古兰经绝对不收人钱财。这么说,念了古兰经收取他人钱财的,就不是穆斯林?建议您想好了再说。圣人(愿安拉-赐他福安)说;念了古兰经,以古兰经吃人的人,来世,他的脸上只有骨头没有肉。这句话又是对谁说的?您还需要努力学习。
回复

使用道具

5

主题

3

听众

204

积分

中级会员

Rank: 3

发表于 2010-7-4 19:48:17 |显示全部楼层
楼主还没给答复哦?人家赵福才已经提出交由麦加埃及大教法官鉴定
这样吧 我有个提议:埃及麦加两处的大法官少了点 应该召集全球所有伊斯兰大法官来做个裁定 那么全球都认可了 不是更好?别说三千 我愿出十万。
回复

使用道具 举报

匿名  发表于 2010-7-4 20:32:36
37# 门中门
回复

使用道具

匿名  发表于 2010-7-4 20:49:49
他似乎已认定什叶派与犹太教、基督教一样了?!须知,对于穆斯林,错断的必断在自身上。苏布哈南拉!苏布哈南拉!苏布哈南拉!似乎有学识,思辨又浅薄。好像麦加和埃及的教法官早与他说好了似的。什么样的信念,显扬什么样的行为。试看今日穆斯林世界,麦加的教法官还有何面目?先去劝劝那腐败得令人诅咒的王室吧,再去想想那些充当犹太人和西方人的帮凶,将世界贫弱穆斯林陷于水深火热之中,理论上高举原教旨主义的有人吧!割断圣教绳索的正是高喊口号的。听其言而观其行,早已不是穆斯林行径了!!!
回复

使用道具

匿名  发表于 2010-7-4 21:24:02
31# 知足常乐
  只有犹太人给人念了古兰经才收取钱财,穆斯林念了古兰经绝对不收人钱财。这么说,念了古兰经收取他人钱财的,就不是穆斯林?建议您想好了再说。圣人(愿安拉-赐他福安)说;念了古兰经,以古兰经吃 ...
Guest from 222.82.143.x 发表于 2010-7-4 19:25

她意思不是念古兰经收取钱财就是犹太人 那请问你为收取钱财而念古兰是什么人?你当知道凡是为真主之外的都是举伴 收钱可以 但收钱不是目  她源本的意思是栓好自己的骆驼 又在去讲经 念经
回复

使用道具

您需要登录后才可以回帖 登录 | 入住申请

Archiver|手机版|真境绿翠     

GMT+8, 2024-3-28 23:19 , Processed in 0.464321 second(s), 21 queries .

Powered by Discuz! X2.5

© 2001-2012 Comsenz Inc.

回顶部